[ ص: 109 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة قريش
قوله تعالى :
لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف .
اختلف في اللام في "
لإيلاف قريش " ، هل هي متعلقة بما قبلها ، وعلى أي معنى . أم متعلقة بما بعدها ، وعلى أي معنى .
فمن قال : متعلقة بما قبلها ، قال متعلقة بجعل في قوله :
فجعلهم كعصف مأكول [ 105 \ 5 ] .
وتكون بمعنى
لأجل إيلاف قريش يدوم لهم ويبقى تعظيم العرب إياهم ; لأنهم أهل حرم الله ، أو بمعنى إلى أي جعلنا العدو كعصف مأكول ، هزيمة له ونصرة
لقريش نعمة عليهم ، إلى نعمة إيلافهم رحلة الشتاء والصيف .
ومن قال : متعلقة بما بعدها ، قال "
لإيلاف قريش إيلافهم " الذي ألفوه أي بمثابة التقرير له ، ورتب عليه ، "
فليعبدوا رب هذا البيت " . أي أثبته إليهم وحفظه لهم .
وهذا القول الأخير هو اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ورد جواز القول الأول ; لأنه يلزمه فصل السورتين عن بعض .
وقيل : إنها للتعجب ، أي اعجبوا لإيلاف
قريش ، حكاه
القرطبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي والأخفش ، والقول الأول لغيره .
وروي أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وغيره ، واستدلوا بقراءة السورتين معا في الصلاة في ركعة قرأ بهما
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، وبأن السورتين في
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب متصلتان ، ولا فصل بينهما .
وحكى
القرطبي القولين ، ولم يرجح أحدهما ، ولا يبعد اعتبار الوجهين ، لأنه لا يعارض بعضها بعضا .
[ ص: 110 ] وما اعترض به
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير بأنه يلزم عليه اتصال السورتين فليس بلازم ; لأنه إن أراد اتصالهما في المعنى ، فالقرآن كله متصلة سوره معنى .
ألا ترى إلى فاتحة الكتاب وفيها
اهدنا الصراط المستقيم [ 1 \ 6 ] ، فجاءت سورة البقرة :
ذلك الكتاب لا ريب فيه [ 2 \ 2 ] ، وبعدها ذكر أوصافهم وقال :
أولئك على هدى من ربهم [ 2 \ 5 ] ، فأي ارتباط أقوى من هذا ، كأنه يقول : الهدى الذي تطلبونه في هذا الكتاب فهو هدى للمتقين ، وإن أراد اتصالا حسا بعدم البسملة ، فنظيرها سورة براءة مع الأنفال ، ولكن لا حاجة إلى ذلك ; لأن إجماع القراء على إثبات البسملة بينهما ، اللهم إلا مصحف
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب ، وليس في هذين الوجهين وجه أرجح من وجه .
ولذا لم يرجح بينهما أحد من المفسرين ، سوى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير رحمه الله :
وصحة الوجهين أقوى وأعم في الامتنان وتعداد النعم .
والإيلاف : قيل من التأليف ، إذ كانوا في رحلتيهم يألفون الملوك في
الشام واليمن ، أو كانوا هم في أنفسهم مؤلفين ومجمعين ، وهو امتنان عليهم بهذا التجمع والتألف ، ولو سلط عليهم لفرقهم وشتتهم ، وأنشدوا :
أبونا قصي كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر
وقيل : من الإلف والتعود ، أي : ألفوا الرحلتين .
فللإبقاء لهم على ما ألفوه .
وقريش قال
أبو حيان : علم على القبيلة .
وقيل : أصلها من النقرش ، وهو الاجتماع أو التكسب والجمع .
وقيل : من دابة البحر المسماة بالقرش وهي أخطر حيواناته ، وهو مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في جوابه
لمعاوية .
وأنشد قول الشاعر :
وقريش هي التي تسكن البحـ ـر بها سميت قريش قريشا
[ ص: 111 ] تأكل الرث والسمين ولا تترك فيها لذي جناحين ريشا
هكذا في البلاد حي قريش يأكلون البلاد أكلا كميشا
ولهم آخر الزمان نبي يكثر القتل فيهم والخموشا
وقوله تعالى :
رحلة الشتاء والصيف ، هو تفسير " لإيلاف " سواء على ما كانوا يؤالفون بين الملوك في تلك الرحلات ، أو ما كانوا يألفونه فيهما .