وقوله تعالى :
الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف .
بمثابة التعليل لموجب أمرهم بالعبادة ; لأنه سبحانه الذي هيأ لهم هاتين الرحلتين اللتين كانتا سببا في تلك النعم عليهم ، فكان من واجبهم أن يشكروه على نعمه ويعبدوه وحده .
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان هذا المعنى ، عند قوله تعالى :
أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم [ 29 \ 67 ] وساق النصوص بهذا المعنى بما أغنى عن إعادته .
تنبيه
في قوله تعالى :
فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ، ربط بين النعمة وموجبها ، كالربط بين السبب والمسبب .
ففيه بيان لموجب عبادة الله تعالى وحده ، وحقه في ذلك على عباده جميعا ، وليس خاصا
بقريش .
وهذا الحق قرره أول لفظ في القرآن ، وأول نداء في المصحف ، فالأول قوله تعالى :
الحمد لله رب العالمين [ 1 \ 2 ] ، كأنه يقول هو سبحانه مستحق للحمد ، لأنه رب العالمين ، أي خالقهم ورازقهم ، وراحمهم إلى آخره .
[ ص: 112 ] والثاني :
ياأيها الناس اعبدوا ربكم [ 2 \ 21 ] .
ثم بين الموجب بقوله :
الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون [ 2 \ 21 ] .
ثم عدد عليهم نعمه بقوله :
الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم [ 2 \ 22 ] .
فهذه النعم تعادل الإطعام من جوع ، والأمن من خوف ، في حق
قريش ، ومن ذلك قوله تعالى :
إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر [ 108 \ 1 - 2 ] .
وقد بين تعالى أن
الشكر يزيد النعم والكفر يذهبها ، إلا ما كان استدراجا ، فقال في شكر النعمة :
لئن شكرتم لأزيدنكم [ 14 \ 7 ] .
وقال في الكفران وعواقبه :
وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون [ 16 \ 112 ] .
وبهذه المناسبة إن على كل مسلم أفرادا وجماعات ، أن يقابلوا نعم الله بالشكر ، وأن يشكروها بالطاعة والعبادة لله ، وأن يحذروا كفران النعم .
تنبيه آخر
في الجمع بين إطعامهم من جوع وأمنهم من خوف ، نعمة عظمى لأن الإنسان لا ينعم ولا يسعد إلا بتحصيل النعمتين هاتين معا ، إذ لا عيش مع الجوع ، ولا أمن مع الخوف ، وتكمل النعمة باجتماعهما .
ولذا جاء الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003111من أصبح معافى في بدنه آمنا في سربه عنده قوت يومه ، فقد اجتمعت عنده الدنيا بحذافيرها " .
تنبيه آخر
إن في هذه السورة دليلا على أن
دعوة الأنبياء مستجابة ; لأن
الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام دعا
لأهل الحرم بقوله :
فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات [ 14 \ 37 ] .
[ ص: 113 ] وقال :
ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك [ 2 \ 129 ] ، فأطعمهم الله من جوع وآمنهم من خوف ، وبعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته .