قوله تعالى : إله الناس . هذه هي المرتبة الثالثة في كمال العبودية ، وإفراد الله تعالى بالألوهية .
وهذا هو محل الإحالة ، التي عناها الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه فيما يظهر ، لأن العبد إذا أقر بأن الله ربه وخالقه ، ومنعم عليه أوجده من العدم ، ورباه بالنعم ، لا رب له سواه ، ثم تدرج بعلمه ويقينه إلى الإقرار بأن ربه هو مليكه والمتصرف في أمره وحده ، وأنه لا يملك هو نفسه مع الله شيئا ، ولا يملك له أحد من الله شيئا .
وأن كل تصرفات العالم كله بأمره فلا يصل إليه خير إلا بإذنه ، ولا يصرف عنه ضرر إلا بأمره .
وعرف في يقين : أنه عبد مملوك لمن بيده ملكوت السماوات والأرض ، توصل بعلمه هذا أن من كانت هذه صفاته ، كان هو وحده المستحق لإفراده بالعبادة وبالألوهية ، لا إله إلا هو .
فيكون في خاتمة المصحف الشريف انتزاع الإقرار من العبد لله سبحانه بطريق الإلزام ، بالمعنى الذي أرسل الله به رسله ، وأنزل من أجله كتبه ، وهو أن يعبد الله وحده ، وهو ما صرح الشيخ به في الإحالة السابقة .
وإذا كان الشيخ رحمه الله ، قد نبه على مراعاة خاتمة المصحف ، فإنا لو رجعنا إلى أول المصحف وآخره لوجدنا ربطا بديعا ، إذ تلك الصفات الثلاث في سورة الناس
[ ص: 178 ] موجودة في سورة الفاتحة ، فاتفقت الخاتمة مع الفاتحة في هذا المعنى العظيم ، إذ في الفاتحة
الحمد لله رب العالمين ، وملك يوم الدين ، فجاءت صفة الربوبية والملك والألوهية في لفظ الجلالة .
وتكون الخاتمة الشريفة من باب عود على بدء ، وأن القرآن كله فيما بين ذلك شرح وبيان لتقدير هذا المعنى الكبير .
وسيأتي لذلك زيادة إيضاح في النهاية ، إن شاء الله تعالى .