تنبيه
إذا كان هذا كله خطر الوسواس الخناس من الجنة والناس ، وهما عدو مشترك ومتربص حاقد حاسد ، فما طريق النجاة منه ؟
الذي يظهر ، والله تعالى أعلم : أن
طريق النجاة تعتمد على أمرين :
الأول : يؤخذ من عمومات الكتاب والسنة .
[ ص: 189 ] والثاني : سمعته من الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه .
أما الأول فهو : إذا كانت مهمة الوسوسة التشكيك والذبذبة والتردد ، فإن عمومات التكليف تلزم المسلم بالعزم واليقين والمضي دون تردد كما في قوله :
فإذا عزمت فتوكل على الله [ 3 \ 159 ] ، وامتدح بعض الرسل بالعزم وأمر بالاقتداء بهم :
فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل [ 46 \ 35 ] .
وقال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007221 " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " .
والقاعدة الفقهية " اليقين لا يرفع بشك " .
والحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009929 " يأتي الشيطان لأحدكم وهو في الصلاة فينفخ في مقعدته ، فيخيل إليه أنه أحدث ولم يحدث ، فلا ينصرف حتى يسمع صوتا ، أو يجد ريحا " .
ومن هنا كانت التكاليف كلها على اليقين ، فالعقائد لا بد فيها من اليقين .
والفروع في العبادات لا بد فيها من النية nindex.php?page=hadith&LINKID=1007293 " إنما الأعمال بالنيات " .
والشرط في النية الجزم واليقين ، فلو
نوى الصلاة على أنه إن حضر فلان تركها ، لا تنعقد نيته ، ولو
نوى صوما أنه إن شاء أفطر ، لا ينعقد صومه .
ونص
مالك في الموطأ : أنه
إن نوى ليوم الشك في ليلته الصوم غدا ، على أنه إن صح من رمضان فهو لرمضان ، وإلا فهو نافلة ، لا ينعقد صومه لا فرضا ولا نفلا حتى لو جاء رمضان لا يعتبر له منه ، وعليه قضاؤه لعدم الجزم بالنية .
والحج : لو نواه لزمه ولزمه المضي فيه ، ولا يملك الخروج منه باختياره .
وهكذا المعاملات في جميع العقود مبناها على الجزم حتى في المزح واللعب ، يؤاخذ في البعض كالنكاح والطلاق والعتاق .
فمن هذا كله كانت دوافع العزيمة مستقاة من التكاليف ، مما يقضي على نوازع الشك والتردد ، ولم يبق في قلب المؤمن مجال لشك ولا محل لوسوسة .
وقد كان الشيطان يفر من طريق
عمر رضي الله عنه .
[ ص: 190 ] أما الذي كنت سمعته من الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه فقوله : لقد علمنا الله
كيفية اتقاء العدو من الإنس ومن الجن .
أما العدو من الإنس ففي قوله تعالى :
ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم [ 41 \ 34 ] .
فدل على أن مقابلة إساءة العدو بالإحسان إليه تذهب عداوته ، وتكسب صداقته ، كما قال تعالى :
ادفع بالتي هي أحسن السيئة .
وأما عدو الجن ففي قوله تعالى :
وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم [ 41 \ 36 ] .
وهو ما يدل عليه ما تقدم من الآثار من أن الشيطان يخنس إذا سمع ذكر الله .
وعلى قوله رحمه الله : فإن شيطان الجن يندفع بالاستعاذة منه بالله ، ويكفيه ذلك ; لأن كيد الشيطان كان ضعيفا .
أما شيطان الإنس فهو في حاجة إلى مصانعة ومدافعة والصبر عليه ، كما يرشد إليه قوله تعالى :
وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم [ 41 \ 35 ] .
رزقنا الله تعالى وجميع المسلمين حظا عظيما في الدنيا والآخرة ، إنه المسئول ، وخير مأمول .
روى
ابن كثير حديث
أبي سعيد رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009930 " كان يتعوذ من أعين الجن والإنس ، فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سواهما " رواه
الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، وقال
الترمذي : حسن صحيح .
وروي
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009931عن عبد الله الأسلمي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على صدره ثم قال : " قل " : فلم أدر ما أقول . ثم قال لي : " قل " . فقلت : هو الله أحد ، ثم قال لي : قل . قلت : أعوذ برب الفلق من شر ما خلق حتى فرغت منها ، ثم قال لي قل . قلت : أعوذ برب الناس حتى فرغت منها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هكذا فتعوذ ; وما تعوذ المتعوذون بمثلهن قط " . [ ص: 191 ] والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على أفضل خلقه وأكرمهم عليه ، من اصطفاه لرسالته وشرفنا ببعثته ، وختم به رسله وكرمنا به وهدانا لاتباعه ، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعلينا معهم أجمعين ، إنه سميع مجيب .