[ ص: 201 ] قوله تعالى :
هدى للمتقين .
خصص في هذه الآية هدى هذا الكتاب بالمتقين ، وقد جاء في آية أخرى ما يدل على أن هداه عام لجميع الناس ، وهي قوله تعالى :
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس الآية [ 2 \ 185 ] . ووجه الجمع بينهما أن الهدى يستعمل في القرءان استعمالين : أحدهما عام ، والثاني خاص ، أما الهدى العام فمعناه إبانة طريق الحق وإيضاح المحجة ، سواء سلكها المبين له أم لا ، ومنه بهذا المعنى قوله تعالى :
وأما ثمود فهديناهم [ 41 \ 17 ] ، أي بينا لهم طريق الحق على لسان نبينا
صالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، مع أنهم لم يسلكوها بدليل قوله عز وجل :
فاستحبوا العمى على الهدى [ 41 \ 17 ] .
ومنه أيضا قوله تعالى :
إنا هديناه السبيل [ 76 \ 3 ] ، أي بينا له طريق الخير والشر ، بدليل قوله :
إما شاكرا وإما كفورا [ 76 \ 3 ] .
وأما الهدى الخاص فهو تفضل الله بالتوفيق على العبد ، ومنه بهذا المعنى قوله تعالى :
أولئك الذين هدى الله الآية [ 6 ] .
وقوله :
فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام [ 6 \ 125 ] .
فإذا علمت ذلك ، فاعلم أن الهدى الخاص بالمتقين هو الهدى الخاص ، وهو التفضل بالتوفيق عليهم ، والهدى العام للناس هو الهدى العام ، وهو إبانة الطريق وإيضاح المحجة ، وبهذا يرتفع الإشكال أيضا بين قوله تعالى :
إنك لا تهدي من أحببت [ 28 \ 56 ] ، مع قوله :
وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم [ 42 \ 52 ] ، لأن الهدى المنفي عنه صلى الله عليه وسلم هو الهدى الخاص ، لأن التوفيق بيد الله وحده : ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا [ 5 \ 41 ] .
والهدى المثبت له هو الهدى العام الذي هو إبانة الطريق ، وقد بينها صلى الله عليه وسلم حتى تركها محجة بيضاء ليلها كنهارها :
والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم [ 10 \ 25 ] .