قوله تعالى :
مثلهم كمثل الذي استوقد نارا الآية .
أفرد في هذه الآية الضمير في قوله : استوقد وفي ما حوله ، وجمع الضمير في قوله :
ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون [ 2 \ 17 ] ، مع أن مرجع كل هذه الضمائر شيء واحد وهو لفظة " الذي " من قوله : مثلهم كمثل الذي .
والجواب عن هذا أن لفظة : " الذي " مفرد ومعناها عام لكل ما تشمله صلتها وقد تقرر في علم الأصول أن الأسماء الموصولة كلها من صيغ العموم ، فإذا حققت ذلك فاعلم أن إفراد الضمير باعتبار لفظة : " الذي " وجمعه باعتبار معناها ، ولهذا المعنى جرى على ألسنة العلماء أن : " الذي " تأتي بمعنى الذين ، ومن أمثلة ذلك في القرءان هذه الآية الكريمة ، فقوله :
كمثل الذي استوقد أي كمثل الذي استوقدوا بدليل قوله :
ذهب الله بنورهم وتركهم الآية [ 2 \ 17 ] .
وقوله :
والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون الآية [ 39 \ 33 ] . وقوله :
لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس [ 2 \ 264 ] ، أي كالذين ينفقون بدليل قوله :
لا يقدرون على شيء مما كسبوا [ 2 \ 264 ] .
وقوله :
وخضتم كالذي خاضوا [ 9 ] ، بناء على الصحيح ، من أن : " الذي " فيها موصولة لا مصدرية ، ونظير هذا من كلام العرب قول الراجز :
يا رب عبس لا تبارك في أحد في قائم منهم ولا في من قعد إلا الذي قاموا بأطراف المسد
[ ص: 204 ] وقول الشاعر وهو
أشهب بن رميلة ، وأنشده
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه لإطلاق الذي وإرادة الذين :
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري أن لفظة الذي في بيت
أشهب جمع ألذ بالسكون ، وأن " الذي " في الآية مفرد أريد به الجمع ، وكلام
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه يرد عليه ، وقول
عديل بن الفرخ العجلي :
وبت أساقي القوم إخوتي الذي غوايتهم غيي ورشدهم رشدي
وقال بعضهم : المستوقد واحد لجماعة معه ، ولا يخفى ضعفه .