صفحة جزء
قوله تعالى : ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات الآية .

أفرد هنا تعالى لفظ " السماء " ، ورد عليه الضمير بصيغة الجمع ، في قوله : " فسواهن " ، وللجمع بين ضمير الجمع ومفسره المفرد وجهان :

الأول : أن المراد بالسماء جنسها الصادق بسبع سماوات ، وعليه فأل جنسية .

الثاني : أنه لا خلاف بين أهل اللسان العربي في وقوع إطلاق المفرد وإرادة الجمع مع تعريف المفرد وتنكيره وإضافته ، وهو كثير في القرءان العظيم وفي كلام العرب . فمن أمثلته في القرآن واللفظ معرف ، قوله تعالى : وتؤمنون بالكتاب كله [ 3 \ 119 ] ، أي بالكتب كلها بدليل قوله تعالى : كل آمن بالله وملائكته وكتبه [ 2 \ 285 ] ، وقوله وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب [ 42 \ 15 ] ، قوله تعالى : سيهزم الجمع ويولون الدبر ، [ 54 \ 45 ] ، يعني الأدبار ، كما هو ظاهر ، وقوله تعالى : أولئك يجزون الغرفة [ 25 ] ، يعني الغرف ، بدليل قوله تعالى : لهم غرف من فوقها غرف مبنية [ 39 \ 20 ] وقوله تعالى : وهم في الغرفات آمنون ، [ 34 \ 37 ] ، وقوله تعالى وجاء ربك والملك صفا صفا ، [ 89 \ 22 ] ، أي الملائكة ، بدليل قوله تعالى : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ، [ 2 \ 210 ] ، وقوله تعالى : أو الطفل الذين لم يظهروا ، الآية [ 24 \ 31 ] ، يعني الأطفال الذين لم يظهروا ، وقوله تعالى : هم العدو فاحذرهم [ ص: 208 ] الآية [ 63 \ 4 ] ، يعني الأعداء .

ومن أمثلته واللفظ منكر ، قوله تعالى : إن المتقين في جنات ونهر [ 54 \ 54 ] يعني وأنهار ، بدليل قوله تعالى : فيها أنهار من ماء غير آسن الآية [ 47 \ 15 ] ، وقوله تعالى : واجعلنا للمتقين إماما [ 25 ] ، يعني أئمة ، وقوله تعالى : مستكبرين به سامرا تهجرون يعني سامرين ، وقوله : ثم نخرجكم طفلا [ 22 \ 5 ] ، يعني أطفالا ، وقوله : لا نفرق بين أحد منهم [ 2 \ 136 ] ، أي بينهم ، وقوله تعالى : وحسن أولئك رفيقا [ 4 ] أي رفقاء ، وقوله : وإن كنتم جنبا فاطهروا [ 5 \ 6 ] ، أي جنبين أو أجنابا ، وقوله : والملائكة بعد ذلك ظهير [ 66 \ 4 ] ، أي مظاهرون لدلالة السياق فيها كلها على الجمع . واستدل سيبويه لهذا بقوله : فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا [ 4 \ 4 ] أي أنفسا .

ومن أمثلته واللفظ مضاف قوله تعالى : إن هؤلاء ضيفي [ 15 \ 68 ] الآية ، يعني أضيافي ، وقوله : فليحذر الذين يخالفون عن أمره الآية [ 24 \ 63 ] ، أي أوامره .

وأنشد سيبويه لإطلاق المفرد وإرادة الجمع قول الشاعر ، وهو علقمة بن عبدة التميمي :


بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب

يعني وأما جلودها فصليبة .

وأنشد له أيضا قول الآخر :


كلوا في بعض بطنكم تعفوا     فإن زمانكم زمن خميص

يعني في بعض بطونكم .

ومن شواهده قول عقيل بن علفة المري :


وكان بنو فزارة شر عم     وكنت لهم كشر بني الأخينا

يعني شر أعمام ، وقول العباس بن مرداس السلمي :


فقلنا أسلموا إنا أخوكم     وقد سلمت من الإحن الصدور

[ ص: 209 ] يعني إنا إخوانكم ، وقول الآخر :


يا عاذلاتي لا تردن ملامة     إن العواذل ليس لي بأمير

يعني لسن لي بأمراء .

وهذا في النعت بالمصدر مطرد كقول زهير :


متى يشتجر قوم يقل سرواتهم     هم بيننا هم رضى وهم عدل

ولأجل مراعاة هذا لم يجمع في القرءان السمع والطرف والضيف لأن أصلها مصادر كقوله تعالى : ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم [ 2 \ 7 ] ، وقوله : لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ، [ 14 \ 43 ] ، وقوله تعالى : ينظرون من طرف خفي [ 42 \ 45 ] ، وقوله : إن هؤلاء ضيفي [ 15 \ 68 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية