قوله تعالى :
وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا الآية .
[ ص: 222 ] هذه الآية تدل بظاهرها على أنهم لم يؤمروا بقتال الكفار إلا إذا قاتلوهم ، وقد جاءت آيات أخر تدل على وجوب قتال الكفار مطلقا قاتلوا أم لا ، كقوله تعالى :
وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة [ 2 193 ] .
وقوله :
فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد [ 9 5 ] .
وكقوله تعالى :
تقاتلونهم أو يسلمون [ 48 6 ] .
والجواب عن هذا بأمور :
الأول : وهو أحسنها وأقربها ، أن المراد بقوله : "
الذين يقاتلونكم " تهييج المسلمين وتحريضهم على قتال الكفار ، فكأنه يقول لهم : هؤلاء الذين أمرتكم بقتالهم هم خصومكم وأعداؤكم الذين يقاتلونكم ، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى :
وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة [ 9 36 ] ، وخير ما يفسر به القرآن القرآن .
الوجه الثاني : أنها منسوخة بقوله تعالى :
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وهذا من جهة النظر ظاهر حسن جدا ، وإيضاح ذلك أن من حكمة الله البالغة في التشريع ، أنه إذا أراد تشريع أمر عظيم على النفوس ربما يشرعه تدريجا لتخف صعوبته بالتدريج ، فالخمر مثلا لما كان تركها شاقا على النفوس التي اعتادتها ، ذكر أولا بعض معائبها بقوله :
قل فيهما إثم كبير [ 2 219 ] .
ثم بعد ذلك حرمها في وقت دون وقت ، كما دل عليه قوله تعالى :
ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى الآية [ 2 43 ] .
ثم لما استأنست النفوس بتحريمها في الجملة حرمها تحريما باتا بقوله :
رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون [ 5 90 ] .
وكذلك الصوم لما كان شاقا على النفوس شرعه أولا على سبيل التخيير بينه وبين الإطعام ثم رغب في الصوم مع التخيير بقوله : وأن تصوموا خير لكم [ 2 184 ] ، ثم لما استأنست به النفوس أوجبه إيجابا حتما بقوله تعالى
فمن شهد منكم الشهر فليصمه الآية [ 2 185 ] .
[ ص: 223 ] وكذلك القتال على هذا القول شاق على النفوس ، أذن فيه أولا من غير إيجاب بقوله :
أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا الآية [ 22 39 ] .
ثم أوجب عليهم قتال من قاتلهم دون من لم يقاتلهم بقوله :
وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم .
ثم استأنست نفوسهم بالقتال أوجبه عليهم إيجابا عاما بقوله :
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم الآية .
الوجه الثالث : وهو اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، ويظهر لي أنه الصواب ، أن الآية محكمة وأن معناها : قاتلوا الذين يقاتلونكم ، أي من شأنهم أن يقاتلوكم .
أما الكافر الذي ليس من شأنه القتال كالنساء والذراري والشيوخ الفانية والرهبان وأصحاب الصوامع ، ومن ألقى إليكم السلم فلا تعتدوا بقتالهم لأنهم لا يقاتلونكم ، ويدل لهذا الأحاديث المصرحة بالنهي عن قتل الصبي ، وأصحاب الصوامع ، والمرأة والشيخ الهرم إذا لم يستعن برأيه .
وأما صاحب الرأي فيقتل
كدريد بن الصمة ، وقد فسر هذه الآية بهذا المعنى
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري .