قوله تعالى :
لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي .
هذه الآية تدل بظاهرها على أنه لا يكره أحد على الدخول في الدين ، ونظيرها قوله تعالى :
أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين [ 10 99 ] .
[ ص: 227 ] وقوله تعالى :
فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ [ 42 48 ] ، وقد جاء في آيات كثيرة ما يدل على إكراه الكفار على الدخول في الإسلام بالسيف كقوله تعالى :
تقاتلونهم أو يسلمون [ 48 16 ] ، وقوله :
وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة [ 2 193 ] ، أي شرك .
ويدل لهذا التفسير الحديث الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009290أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله الحديث ، والجواب عن هذا بأمرين :
الأول : وهو الأصح ، أن هذه الآية في خصوص أهل الكتاب ، والمعنى أنهم قبل نزول قتالهم لا يكرهون على الدين مطلقا وبعد نزول قتالهم لا يكرهون عليه إذا أعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
والدليل على خصوصها بهم ما رواه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت المرأة تكون مقلاة فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده ، فلما أجليت
بنو النضير ، كان فيهم من أبناء
الأنصار فقالوا : لا ندع أبناءنا ، فأنزل الله :
لا إكراه في الدين .
المقلاة : التي لا يعيش لها ولد ، وفي المثل : أحر من دمع المقلاة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال نزلت : لا إكراه في الدين في رجل من
الأنصار من
بني سالم بن عوف يقال له :
الحصين ، كان له ابنان نصرانيان وكان هو مسلما ، فقال للنبي : ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية ؟ فأنزل الله الآية .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير أن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير سأله
أبو بشر عن هذه الآية ، فقال : نزلت في
الأنصار ، فقال : خاصة ؟ قال : خاصة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
قتادة بإسنادين في قوله :
لا إكراه في الدين قال : أكره عليه هذا الحي من العرب لأنهم كانوا أمة أمية ليس لهم كتاب يعرفونه ، فلم يقبل منهم غير الإسلام ، ولا يكره عليه أهل الكتاب إذا أقروا بالجزية أو بالخراج ولم يفتنوا عن دينهم فيخلى سبيلهم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير أيضا عن
الضحاك في قوله :
لا إكراه في الدين أو قال : أمر
[ ص: 228 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل جزيرة العرب من أهل الأوثان فلم يقبل منهم إلا : لا إله إلا الله أو السيف ، ثم أمر فيمن سواهم أن يقبل منهم الجزية ، فقال :
لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا في قوله :
لا إكراه في الدين قال : وذلك لما دخل الناس في الإسلام وأعطى أهل الكتاب الجزية ، فهذه النقول تدل على خصوصها بأهل الكتاب المعطين الجزية ومن في حكمهم ، ولا يرد على هذا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لأن التخصيص فيها عرف بالنقل عن علماء التفسير لا بمطلق خصوص السبب ، ومما يدل للخصوص أنه ثبت في الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009936عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل .
الأمر الثاني : أنها منسوخة بآيات القتال كقوله :
فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين الآية [ 9 5 ] ، ومعلوم أن سورة " البقرة " من أول ما نزل
بالمدينة ، وسورة " براءة " من آخر ما نزل بها ، والقول بالنسخ مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=15944وزيد بن أسلم ، وعلى كل حال فآيات السيف نزلت بعد نزول السورة التي فيها : "
لا إكراه " الآية ، والمتأخر أولى من المتقدم ، والعلم عند الله تعالى .