قوله تعالى : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما الآية .
هذه الآية تدل على أن القاتل عمدا لا توبة له وأنه مخلد في النار ، وقد جاءت آيات أخر تدل على خلاف ذلك كقوله تعالى :
إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [ 4 \ 116 ] .
وقوله تعالى :
والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق - إلى قوله -
إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات الآية [ 25 70 ] .
وقوله تعالى :
إن الله يغفر الذنوب جميعا [ 39 \ 53 ] .
[ ص: 257 ] وقوله :
وإني لغفار لمن تاب وآمن الآية [ 25 82 ] .
وللجمع بين ذلك أوجه منها أن قوله :
فجزاؤه جهنم خالدا فيها أي إذا كان مستحلا لقتل المؤمن عمدا لأن مستحل ذلك كافر .
قاله
عكرمة وغيره ويدل له ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
ابن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج من أنها نزلت في
مقيس بن صبابة ، فإنه أسلم هو وأخوه
هشام وكانا
بالمدينة فوجد
مقيس أخاه قتيلا في
بني النجار ولم يعرف قاتله ، فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بالدية فأعطتها له
الأنصار مائة من الإبل ، وقد أرسل معه النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من
قريش من
بني فهر ، فعمد
مقيس إلى الفهري رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله وارتد عن الإسلام ، وركب جملا من الدية ، وساق معه البقية ، ولحق
بمكة مرتدا ، وهو يقول في شعر له :
قتلت به فهرا وحملت عقله سراة بني النجار أرباب فارع وأدركت ثأري واضجعت موسدا
وكنت إلى الأوثان أول راجع
ومقيس هذا هو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009945لا أؤمنه في حل ولا حرم وقتل متعلقا بأستار
الكعبة يوم الفتح ، فالقاتل الذي هو
كمقيس بن صبابة المستحل للقتل المرتد عن الإسلام ، لا إشكال في خلوده في النار .
وعلى هذا فالآية مختصة بما يماثل سبب نزولها بدليل النصوص المصرحة بأن
جميع المؤمنين لا يخلد أحد منهم في النار .
الوجه الثاني : أن المعنى : " فجزاؤه " أن جوزي مع إمكان ألا يجازى إذا تاب أو كان له عمل صالح يرجح بعمله السيئ ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وأبي مجلز وأبي صالح وجماعة من السلف .
الوجه الثالث : أن الآية للتغليظ في الزجر ذكر هذا الوجه الخطيب
والألوسي في تفسيريهما ، وعزاه
الألوسي لبعض المحققين واستدلا عليه بقوله تعالى :
ومن كفر فإن الله غني عن العالمين [ 3 \ 97 ] ، على القول بأن معناه ومن لم يحج .
وبقوله صلى الله عليه وسلم الثابت في الصحيحين
للمقداد حين سأله عن قتل من أسلم من الكفار بعد
[ ص: 258 ] أن قطع يده في الحرب :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009946لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول الكلمة التي قال .
وهذا الوجه من قبيل كفر دون كفر ، وخلود دون خلود ، فالظاهر أن المراد به عند القائل به أن معنى الخلود المكث الطويل ، والعرب ربما تطلق اسم الخلود على المكث ومنه قول
لبيد :
فوقفت أسألها وكيف سؤالنا صما خوالد ما يبين كلامها
إلا أن الصحيح في معنى الآية الوجه الثاني والأول ، وعلى التغليظ في الزجر ، حمل بعض العلماء كلام
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن هذه الآية ناسخة لكل ما سواها ، والعلم عند الله تعالى .
قال مقيده عفا الله عنه : الذي يظهر أن القاتل عمدا مؤمن عاص له توبة ، كما عليه جمهور علماء الأمة ، وهو صريح قوله تعالى :
إلا من تاب وآمن الآية وادعاء تخصيصها بالكفار لا دليل عليه ، ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى :
ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .
وقوله تعالى :
إن الله يغفر الذنوب جميعا .
وقد توافرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان .
وصرح تعالى بأن القاتل أخو المقتول في قوله :
فمن عفي له من أخيه شيء الآية [ 2 \ 178 ] ، وليس أخو المؤمن إلا المؤمن ، وقد قال تعالى :
وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا [ 49 9 ] فسماهم مؤمنين مع أن بعضهم يقتل بعضا .
ومما يدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين في قصة الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس ، لأن هذه الأمة أولى بالتخفيف من
بني إسرائيل ، لأن الله رفع عنها الآصار والأغلال التي كانت عليهم .