قوله تعالى : ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن أهل الكتاب لو أطاعوا الله ، وأقاموا كتابهم باتباعه ، والعمل بما فيه ، ليسر الله لهم الأرزاق ، وأرسل عليهم المطر ، وأخرج لهم ثمرات الأرض .
وبين في مواضع أخر أن ذلك ليس خاصا بهم ، كقوله عن
نوح وقومه
فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا [ 71 \ 11 ] ، وقوله عن
هود وقومه :
ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم الآية [ 11 \ 52 ] ، وقوله عن نبينا - عليه الصلاة والسلام - وقومه
وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى [ 11 \ 3 ] ، وقوله تعالى :
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة الآية [ 16 \ 97 ] . على أحد الأقوال وقوله :
ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض الآية [ 7 \ 96 ] ، وقوله :
ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب [ 65 \ 2 ، 3 ] ، وقوله :
وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى [ 20 \ 132 ] ، ومفهوم الآية أن
معصية الله تعالى ، سبب لنقيض ما [ ص: 417 ] يستجلب بطاعته ، وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله :
ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس الآية [ 30 \ 41 ] ، ونحوها من الآيات .
قوله تعالى :
منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ، ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة ، أن أهل الكتاب قسمان :
طائفة منهم مقتصدة في عملها ، وكثير منهم سيئ العمل ، وقسم هذه الأمة إلى ثلاثة أقسام في قوله :
فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير [ 35 \ 32 ] ، ووعد الجميع بالجنة بقوله :
جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير [ 35 \ 33 ] .
وذكر القسم الرابع : وهو الكفار منها بقوله :
والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا الآية [ 35 \ 36 ] .
وأظهر الأقوال في المقتصد ، والسابق ، والظالم ، أن المقتصد هو من امتثل الأمر ، واجتنب النهي ، ولم يزد على ذلك ، وأن السابق بالخيرات هو من فعل ذلك ، وزاد بالتقرب إلى الله بالنوافل ، والتورع عن بعض الجائزات ، خوفا من أن يكون سببا لغيره ، وأن الظالم هو المذكور في قوله :
خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم الآية [ 9 \ 102 ] ، والعلم عند الله تعالى .