[ ص: 382 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة غافر
قوله تعالى :
ويستغفرون للذين آمنوا .
هذه الآية الكريمة تدل على أن
استغفار الملائكة لأهل الأرض خاص بالمؤمنين منهم ، وقد جاءت آية أخرى يدل ظاهرها على خلاف ذلك وهي قوله تعالى :
ويستغفرون لمن في الأرض الآية [ 42 \ 5 ] .
والجواب أن آية " غافر " مخصصة لآية " الشورى " ، والمعنى : ويستغفرون لمن في الأرض من المؤمنين
لوجوب تخصيص العام بالخاص .
وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم .
لا يخفى ما يسبق إلى الذهن في هذه الآية من توهم المنافاة بين الشرط والجزاء في البعض ، لأن المناسب لاشتراط الصدق هو أن يصيبهم جميع الذي يعدهم لا بعضه ، مع أنه تعالى لم يقل : وإن يك صادقا يصبكم كل الذي يعدكم ، وأجيب عن هذا بأجوبة من أقربها عندي : أن المراد بالبعض الذي يصيبهم هو البعض العاجل الذي هو عذاب الدنيا ، لأنهم أشد خوفا من العذاب العاجل ، ولأنهم أقرب إلى التصديق بعذاب الدنيا منهم بعذاب الآخرة .
ومنها أن المعنى إن يك صادقا فلا أقل من أن يصيبكم بعض الذي يعدكم ، وعلى هذا فالنكتة المبالغة في التحذير ، لأنه إذا حذرهم من إصابة البعض ، أفاد أنه مهلك مخوف ، فما بال الكل وفيه إظهار لكمال الإنصاف وعدم التعصب ، ولذا قدم احتمال كونه كاذبا .
ومنها أن لفظة البعض يراد بها الكل ، وعليه فمعنى
بعض الذي يعدكم : كل الذي يعدكم ، ومن شواهد هذا في اللغة العربية قول الشاعر :
إن الأمور إذا الأحداث دبرها دون الشيوخ ترى في بعضها خللا
[ ص: 383 ] يعني : ترى فيها خللا .
وقول
القطامي :
قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل
يعني : قد يدرك المتأني حاجته .
وأما استدلال
أبي عبيدة لهذا ، بقول
لبيد :
تراك أمكنة إذا لم أرضها أو يعتلق بعض النفوس حمامها
فغلط منه ، لأن مراد
لبيد ببعض النفوس نفسه ، كما بينته في رحلتي في الكلام على قوله :
ولو أن قرآنا سيرت به الجبال الآية [ 13 31 ] .