[ ص: 406 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الرحمن
قوله تعالى : يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران .
لا يخفى ما يسبق إلى الذهن من أن إرسال شواظ النار الذي هو لهبها ، والنحاس الذي هو دخانها ، أو النحاس المذاب ، وعدم الانتصار ليس في شيء منه إنعام على الثقلين . وقوله لهم :
فبأي آلاء ربكما تكذبان [ 55 36 ] ، يفهم منه أن إرسال الشواظ والنحاس وعدم الانتصار من آلاء الله ، أي نعمه على الجن والإنس .
والجواب من وجهين :
الأول : أن تكرير :
فبأي آلاء ربكما تكذبان ، للتوكيد ، ولم يكرره متواليا لأن تكريره بعد كل آية أحسن من تكريره متواليا ، وإذا كان للتوكيد فلا إشكال لأن المذكور منه بعد ما ليس من الآلاء مؤكد للمذكور بعد ما هو من الآلاء .
الوجه الثاني : أن
فبأي آلاء ربكما تكذبان لم تذكر إلا بعد ذكر نعمة أو موعظة أو إنذار وتخويف ، وكلها من آلاء الله التي لا يكذب بها إلا كافر جاحد ، أما في ذكر النعمة فواضح .
وأما في الموعظة ، فلأن الوعظ تلين له القلوب فتخشع وتنيب ، فالسبب الموصل إلى ذلك من أعظم النعم ، فظهر أن الوعظ من أكبر الآلاء .
وأما في الإنذار والتخويف كهذه الآية ، ففيه أيضا
أعظم نعمة على العبد ، لأن إنذاره في دار الدنيا من أهوال يوم القيامة ، من أعظم نعم الله عليه .
ألا ترى أنه لو كان أمام إنسان مسافر مهلكة كبرى وهو مشرف على الوقوع فيها من غير أن يعلم بها ، فجاءه إنسان فأخبره بها وحذره من الوقوع فيها ، أن هذا يكون يدا له عنده وإحسانا يجازيه عليه جزاء أكبر الإنعام .
[ ص: 407 ] وهذا الوجه الأخير هو مقتضى الأصول ، لأنه قد تقرر في علم الأصول أن النص إذا احتمل التوكيد والتأسيس فالأصل حمله على التأسيس لا على التوكيد ، لأن في التأسيس زيادة معنى ليست في التوكيد .
وعلى هذا القول فتكرير :
فبأي آلاء ربكما تكذبان إنما هو باعتبار أنواع النعم المذكور قبلها من إنعام أو موعظة أو إنذار .
وقد عرفت أن كلها من آلاء الله ، فالمذكورة بعد نعمه كالمذكورة بعد قوله :
وله الجواري المنشآت الآية [ 55 \ 24 ] .
وبعد قوله :
يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان الآية [ 55 \ 22 ] ، لأن السفن واللؤلؤ والمرجان من آلاء الله كما هو ضروري ، والمذكورة بعد موعظة كالمذكورة بعد قوله :
فإذا انشقت السماء الآية [ 55 37 ] ، والمذكورة بعد إنذار أو تخويف ، كالمذكورة بعد قوله :
يرسل عليكما شواظ الآية ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان .
تقدم وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى
فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون [ 15 92 - 93 ] .
وقوله :
فلنسألن الذين أرسل إليهم الآية [ 7 \ 6 ] في سورة " الأعراف " .