[ ص: 421 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحاقة
قوله تعالى :
إني ظننت أني ملاق حسابيه .
تقدم رفع الإشكال بينه وبين الآيات الدالة على أن الظن لا يكفي ، كقوله :
إن الظن لا يغني من الحق شيئا [ 10 \ 36 ] ، في الكلام على قوله :
الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم [ 2 \ 46 ] في سورة " البقرة " .
قوله تعالى :
ولا طعام إلا من غسلين .
ظاهر هذا الحصر أنه
لا طعام لأهل النار إلا الغسلين ، وهو ما يسيل من صديد أهل النار على أصح التفسيرات ، لأنه فعلين من الغسل لأن الصديد كأنه غسالة قروح أهل النار ، أعاذنا الله والمسلمين منها .
وقد جاءت آية أخرى تدل على حصر طعامهم في غير الغسلين وهي قوله تعالى :
ليس لهم طعام إلا من ضريع [ 88 \ 6 ] ، وهو الشبرق اليابس على أصح التفسيرات ، ويدل لهذا قول
أبي ذؤيب :
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى وصار ضريعا بان عنه النحائص
وللعلماء عن هذا أجوبة كثيرة أحسنها عندي اثنان منها :
الأول : أن العذاب ألوان ، والمعذبون طبقات ، فمنهم من لا طعام له إلا من غسلين ، ومنهم من لا طعام له إلا من ضريع ، ومنهم من لا طعام له إلا الزقوم ، ويدل لهذا قوله تعالى :
لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم [ 15 \ 44 ] .
الثاني : أن المعنى في جميع الآيات أنهم لا طعام لهم أصلا لأن الضريع لا يصدق عليه اسم الطعام ولا تأكله البهائم فأحرى الآدميون .
[ ص: 422 ] وكذلك الغسلين ليس من الطعام ، فمن طعامه الضريع لا طعام له ، ومن طعامه الغسلين كذلك . ومنه قولهم : فلان لا ظل له إلا الشمس ، ولا دابة إلا دابة ثوبان يعنون القمل ، ومرادهم لا ظل له أصلا ولا دابة له أصلا ، وعليه فلا إشكال ، والعلم عند الله تعالى .