صفحة جزء
[ ص: 469 ] ترجمة للشيخ رحمه الله

في محاضرة ألقيت موسم ثقافات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

ألقاها وأعدها تلميذه عطية محمد سالم

عن صاحب الفضيلة والدنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله

بقلم : الشيخ عطية محمد سالم القاضي بالمحكمة الشرعية بالمدينة

[ ص: 470 ] [ ص: 471 ] الحمد لله المستحق لصفات الجلال وكمال الأسماء ، المتفرد بالدوام وبالبقاء . خلق الخلق من عدم وقضى عليهم بالموت والفناء . وجعل الدنيا مزرعة الآخرة ، وحصادها الثواب والجزاء ، واختار من عباده رسلا يبلغون عنه ، فهم بينه وبين خلقه وسطاء ، واصطفى - خاتمهم محمدا صلى الله عليه وسلم فهو صفوة الأصفياء ، بعثه رحمة للعالمين ، فجاء بالحنيفية السمحاء ، أطل فجرها بمكة من قمة حراء .

وأشرقت شمس نهارها بطيبة الفيحاء . ظلت مهاجر صحبه في ألفة ووفاء ، فتحمل الصحب الكرام تراثه - ما ورثوه منه هداية وضياء - وورثوه من بعدهم توريث الآباء للأبناء . وغدت المدينة مشرقة أنوارها يشع منها للعالم نور وسناء . وتوالت الأجيال تلو أجيال إنتاجها للعالم صفوة العلماء ممن قاموا لله حقا ، وأخلصوا لله صدقا ، ونشروا العلم في عفة وإباء ، نهلوا من المنهل الصافي من منبعه ، قبل أن يخالطه الترب أو تكدره الدلاء ، في مهبط الوحي محط رحالهم ، وفي الروضة غدوهم ورواحهم في غبطة وهناء .

درسوا كتاب الله حكما وحكمة ، حتى غدت آياته لمرضى الصدور شفاء ، وتكشفت حجب المعاني فانجلت من تحتها أشمس وضياء .

وترسموا سنن النبي محمد ، وكذاك سنة الخلفاء ، وكذا الصحابة والتابعون فإنهم لهم بهم أسوة واقتداء ، فهم النجوم في ليل السرى ، وهم الهداة لطالب الهدى وأدلاء ، وهم الأئمة قدوة الأمة وعلى الدين أمناء .

ونحن بالمدينة وفي هذا الجوار الكريم أشد إحساسا بمكانة العلم ومنزلة العلماء ، وأسرع فرحا بهم وأشد حزنا على موتهم ، وألما لفراقهم ، إن في موت العلماء لغربة للغرباء .

ولا شك أن هذه الآلام تزداد ، وهذا الحزن يشتد أكثر وأكثر حينما نكون قد عرفنا هذا العالم أو عاصرناه ، ولمسنا فضله واستفدنا علمه .

وهذا القدر كنا فيه سواء نحو علماء المسلمين عامة ، وشيخنا الأمين خاصة .

وإني كأحد أبنائه ومن جملة تلاميذه أقف اليوم معزيا متعزيا ، ومترجما مترحما ، [ ص: 472 ] وقد عظم المصاب وعز فيه العزاء ، وأقول ما قد قلته على البديهة ، عندما سألني سائل من هذا نعزيه في الشيخ ، فقلت هذه الأبيات :


أقول للسائل لما سأل من ذا نعزي فيما نزل     كل من لاقيت فعزه
وابدأ بنفسك في الأول     عز الجميع بموته
وأعلمه أن الخطب جلل     موت العالم رزء العالم
في موته يأتي الخلل     لو نزل الرزء بقمة
فوق الجبال لهد الجبل     خير التعازي في أننا
نرد إلى الله عز وجل

ولو استحق أحد العزية لشخصه لاستحقها ثلاثة أشخاص : الشيخ عبد العزيز بن باز لزمالته 21 سنة وما له عنده من منزلة ، والشيخ عبد العزيز بن صالح أول من عرفه وتسبب في جلوسه ، وصاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد الرحمن لمحبته وتقديره .

نعم أقف معزيا متعزيا مترجما مترحما كما قال القاضي عياض عن بعض مشايخه : " ما لكم تأخذون العلم عنا وتستفيدون منا ، ثم تذكروننا فلا تترحمون علينا " ، إنه ربط أصيل بين العلم والعالم ، وتنبيه أكيد على أن الاعتراف بفضل العالم شكر وتقدير لنفس العلم .

رحم الله شيخنا رحمة واسعة ، ورحم الله علماء المسلمين في كل زمان ومكان .

وقد قام الخلف بحق السلف في حفظ تاريخهم بالترجمة لهم خدمة لتراثهم وإحياء لذكراهم وما أثر عن السخاوي أنه قال : " من ورخ مؤمنا فكأنما أحياه " . أي من ترجم له وأرخه . وها هم علماء الأمة يعايشون كل جيل بسيرتهم وتاريخهم في أمهات الكتب .

وإني لأعتقد حقا أن تراجم الرجال مدارس الأجيال ، أي في علومهم ومعالم حياتهم .

وإن مثل شيخنا الأمين رحمه الله لحقيق بترجمته والاستفادة من منهج حياته في تعلمه وتعليمه .

[ ص: 473 ] وإني لأستعين الله فيما أقدم وأستلهمه فيما أقول :

إلى رحمة الله وحسن جواره


فقيد العلم يا علم الرجال ،     نعاك العلم في حلق السؤال
. نعم فقيد الدرس يا علم الرجال     ، نعاك الدرس في فصل المقال



انتقل إلى رحمة الله وحسن جواره صاحب الفضيلة وعلم الأعلام الشيخ الجليل الإمام الهمام ، زكي النفس ، رفيع المقام ، كريم السجايا ، ذو الخلق الرزين ، عف المقال ، حميد الخصال ، التقي الأمين ، والدنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي . توفي ضحى يوم الخميس 17 \ 12 \ 93 هـ وكانت وفاته بمكة المكرمة مرجعه من الحج ، ودفن بمقبرة المعلاة ، وصلى عليه سماحة رئيس الجامعة الإسلامية فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في الحرم المكي ، مع من حضر من المسلمين بعد صلاة الظهر من ذلك اليوم .

وفي ليلة الأحد 20 \ 12 أقيمت عليه صلاة الغائب بالمسجد النبوي وصلى عليه صاحب الفضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح آل صالح إمام وخطيب المسجد النبوي ورئيس الدائرة الشرعية بالمدينة ، ومحاكم منطقة المدينة بعد صلاة العشاء مباشرة ، وصلى عليه من حضر من الحجاج ما لا يحصى عددا .

ومن غريب الصدف وحسن التفاؤل أن يقرأ الإمام في صلاة العشاء قوله تعالى : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ، إلى آخر السورة .

وفي الركعة الثانية : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا .

وقد سألت فضيلته عن هذه القراءة أهو قاصد لهذه الآيات ومختار لها ، أم جاءت عفوا ؟ فقال حفظه الله : بل عفوا ، لملاحظة عليها ؟ قلت : إنها من أغرب الصدف ، لأنك صليت على الشيخ الأمين رحمه الله بعدها ، فظننت أنك قصدت إليها . ولكنه من المناسبات الحسنة ، تغمد الله الفقيد برحمته وأسكنه فسيح جنته إنه جواد كريم رءوف رحيم ، كما صلي عليه بالجامعة الإسلامية وفي مساجد الدوادمي .

[ ص: 474 ] مات رحمه الله تعالى بعد أن أحيا علوما درست ، وخلف تراثا باقيا ، وربى أفوجا متلاحقة تعد بالآلاف من خريجي كليات ومعاهد الإدارة العامة بالرياض ، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة .

ما مات إلا بعد أن أصبح له في كل دائرة من دوائر الحكومة في أنحاء البلاد ابنا من أبنائه ، وفي قطر إسلامي بعثة من البعثات الإسلامية لمنح الجامعة التعلمية بالمدينة المنورة .

ما مات إلا بعد أن ترك في كل مكتبة وفي كل منزل ( أضواء البيان ) تبدد الظلام وتهدي السبيل .

فلا يبعد ولا يعالي من يقول : ما مات من خلف هذا التراث ، وأدى تلك الرسالة في حياته ، يبقي أثرا خالدا على مر الأجيال والقرون .

لقد أدى رسالة عظمى ، وانتقل إلى الرفيق الأعلى ليحصد ما زرع ويجني ثمار ما غرس ، وينعم بما قدم رحمه الله رحمة واسعة .

لقد عاش رحمه الله في هذه البلاد منذ سنين حين قدم لأداء فريضة الحج ، ثم اعتزم المقام وعمل في كبريات معاهد العلم وجامعاته ، وألف وحاضر ، ولم تكتب عنه كلمة ولم يكن يرضى بالكتابة عنه . لقد كانت أعماله تترجم عنه ومؤلفاته تعرف به حتى عرفه الصغير والكبير والقاصي والداني ، والعالم والعامي ، فلم تكن وفاته رزءا على فرد أو أسرة أو جماعة أو قطر ، ولكن على العالم الإسلامي كله .

وما كتبت عنه سوى كلمة موجزة استقيتها منه رحمه الله عند طبع أول محاضرة له بالجامعة الإسلامية في آيات الصفات وطبعت في مقدمتها .

ومات رحمه الله ولم يكتب عنه أيضا إلا تعريف موجز بالنشأة والمولد وما إلى ذلك .

والآن وقد تحتمت الكتابة عنه لا تعريفا به ، فهو أعرف من أن يعرف ، فهو العلم الخفاق ، والطود الأشم ، والشمس المشرقة فليست الكتابة للتعريف ، ولكن لرسم خطاه وبيان منهجه ، مما سمعت منه رحمه الله ولمسته من حياتي معه المدة الطويلة . وإني [ ص: 475 ] لأسجل هذا عنه رحمه الله للقريب والبعيد ، لكل من عرفه عالما ولم يعرفه طالبا أو عرفه هنا ولم يعرفه هناك في بلاده ، فأقول أولا : إني لا أستطيع إيفاء المقام حقه لعظم مقامه رحمه الله وكبير منزلته ، وإن كل كتابة عن أي شخص تعتبر ذات جانبين :

جانب ترجمة له وبيان لحقيقته وتعريف بشخصه ومنزلته ، وجانب سيرته ومنهجه . بما يمكن أن يكون نهجا يسار عليه ومنهجا يقتدى به ومؤثرا يؤثر على غيره ممن أراد السير في سبيله والنسج على منواله ، والاستفادة من أقواله وأفعاله .

والكتابة عن أي شخص من هذين الجانبين تعتبر بمثابة شخصيته في إبراز صورته وبيان مكانته وفيها تقييمه في عظمته أو توسطه أو غير ذلك ، وأي عالم أو طالب علم فإن له شخصية مزدوجة ، في حياته العامة وسلوكه العام . وحياته الخاصة في طلب العلم ، ومنهجه في تحصيله ونشره ، والكتابة بهذا الاعتبار تكون عن الترجمة الشخصية ، والسيرة العلمية .

وقد مثلت المكتبات الإسلامية بتراجم وسير الأعلام من الرجال من عصر الصحابة رضي الله عنهم إلى عصور التدوين وامتدت إلى اليوم ، حفظا للتراث الإسلامي ، وتسجيلا للرعيل الأول ، ولم تكن الكتابة عن أي شخص وافية إلا بتعدد الكتاب عنه وتستخلص الحقيقة من مجموع ما كتب عنه ، لأن كل كاتب عن أي شخص لن يخلو من أحد أمور ثلاثة :

1 - إما موال متأثر : فقد يقع تحت تأثير العاطفة ، فينظر من زاوية واحدة . فيقال فيه

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

" .

2 - وإما زاوية معاد منفعل : فيقع تحت طائلة الانفعال فيصدق عليه تتمة البيت السابق : "

كما أن عين السخط تبدي المساويا

" .

3 - وإما بعيد معتدل : يرغب التقييم بميزان الاعتدال ومثل هذا قد يفوته ما لم يكن حريصا عليه ، بدون تقصير .

ومن هنا لم تكن كتابة كاتب عن إنسان ما مطابقة كل التطابق ومكتملة غاية الاكتمال .

وقد يتحرج الأصدقاء مخافة التهمة والتأثر بالألفة أو يتوقف الأعداء مكتفين [ ص: 476 ] بالإغضاء ، أو يتردد الآخرون خشية التقصير . ولهذا فقد تذهب الشخصية الفذة دون كتابة عنها فيفتقده الحاضرون ويفقد سيرته القادمون . علما بأن سيرة الرجال مدرسة الأجيال .

وفضيلة الوالد الشيخ محمد الأمين رحمه الله له شخصية متميزة وسيرة واضحة يعرفها كل من لقيه أو حضر مجلسه أو استمع درسه أو قرأ كتبه أو حتى سمع عنه . وقد طبقت شهرته الآفاق .

وإن الكتابة عن مثله رحمه الله لمن أشق ما يكون لتعدد جوانبه الشخصية وانفساح مجالاته العلمية والحال أنه لا مرجع لمن يكتب عنه إلا الخلطة وطول العشرة وتصيد الأخبار من ذويه الأخيار .

وحيث إن أحق الناس بالكتابة عنه هم تلامذته وأبناؤه ، وإني وإن كنت قد أكرمني الله بصحبته وطول ملازمته ليل نهار ، وكثرة مرافقته في الظعن والأسفار . داخل وخارج المملكة . وسمعت منه رحمه الله الشيء الكثير والكثير جدا ، فإني لأجدني تتجاذبني عوامل الإقدام والإحجام . فإذا استحضرت كل ما سمعته منه ، وتصورت كل ما لمسته فيه أجدني أحق الناس بالكتابة عنه .

وإذا تذكرت مكانته وتراءت لي منزلته وأحسست تأثيره على نفسي تلاشت من ذهني كل معاني الكتابة أمام تلك الشخصية المثالية وتراجعت بعيدا عن ميادين الكتابة عنه .

ولكن إذا كان كل كاتب لا يستطيع تقييم كل شخصية تقييما حقيقيا يدل على الشخص دلالة مطابقة ، وفي أسلوب المساواة . لا موجزا ولا مطنبا . إذا كان هذا حال كل كاتب مع كل شخص .

وإذا كان تلميذ الشيخ أحق بالكتابة عنه فما لي لا أدلي بدلوي بالدلاء ، وأعمل قلمي مع الأقلام ، وأبدي ما عندي سواء ما سمعته منه مباشرة أو عنه بواسطة ، أو لمسته من جوانب حياته وسيرته .

دون انطلاق مع العاطفة إلى حد الإطناب ، ودون إحجام مع الوجل والتهيب والوجل إلى حد الإيجاز . إنه لشيخي ، وأعز علي من والدي .

إنه حقا والدي حسا ومعنى ، لقد عشت في كنفه سنوات معه في بيته ، وقد يظلنا سقف واحد في غرفة واحدة أمدا طويلا .

[ ص: 477 ] وقد وجدت منه رحمه الله العناية والرعاية كأحد أبنائه كأشد ما يرعى الوالد ولده ، وقد أجد منه الإيثار على نفسه في كثير من أحيانه ، مما يطول ذكره ، ولا ينسى فضله .

وأعز من الإيثار ما منحني من العلوم والآثار ، والتوجيه الأدبي ، والفضل الخلقي ، والسمو النفسي ، في مجالسه وأحاديثه ، ودروسه من غير ما حد وبدون تقيد بوقت ، إذ كان رحمه الله كل مجالسه مجالس علم ، وكل أحاديثه أحاديث أدب وتوجيه ، ولم يكن يحتاج إلى تحضير لدرس ، ولا مراجعة لجواب على سؤال .

ولم يكن لي معه رحمه الله من وقت معين مع كثرة الإخوان الدارسين عليه المقيمين معه في بيته إلا وقت واحد هو ما بين المغرب والعشاء لمدة سنتين دراسيتين ونحن بالرياض . قرأت في خلالهما تفسير سورة البقرة .

كانت تلك الدراسة عليه رحمه الله هي رأس مالي في جل تحصيلي ، وعليها أساس دراستي الحقيقية سواء في المقررات أو غيرها . لأن فيها جميع أبواب الفقه . وعلى مباحثها تنطبق جل قواعد الأصول . ولا يبعد من يقول إن ما بعدها من السور يعتبر تفسيرا لها ، أو أن من أتقن تفسيرها سهل عليه تفسير ما بعدها . وقد كانت دراستها سببا في تأليف كتابي دفع إيهام الاضطراب ، وأضواء البيان . وكل منهما إثر سؤال وجواب .

مع ما درست من الأصول ومبادئ في المنطق ودقائق في البلاغة وغير ذلك .

لقد وجدت منه رحمه الله ما لم أجده من غيره على الإطلاق ، كما وأظن أن أحدا لم يجد منه ما وجدته أنا منه . فلئن شرفت بخدمته فلقد حظيت بصحبته . فجزاه الله عني أحسن الجزاء .

وإن صاحب مثل هذه العلاقة مع مثل هذه الشخصية ليحس بثقل ديونه على كاهله ، ويلمس عظم المنة تطوق عنقه . فهل أستطيع توفية هذا الجانب فحسب ، فضلا عن الجوانب العامة التي هي موضوع الترجمة والسيرة ، وهل يتأتى مني الإحجام عن الكتابة وأنا مدين بمثل تلك الديون ، مكبل بتلك المنن مما يجعلني أحق بقول القائل :


كليني لهم يا أميمة ناصب     وليل أقاسيه بطيء الكواكب
تطاول حتى قلت ليس بمنقض     وليس الذي يرعى النجوم بآيب
وصدر أراح الليل عازب همه     تضاعف فيه الحزن من كل جانب
[ ص: 478 ] علي لعمرو نعمة بعد نعمة     لوالده ليست بذات عقارب

ولئن قيل :


وتجلدي للشامتين أريهمو     أني لريب الدهر لا أتضعضع

فإني لأقول :


وتجلدي للسامعين أريهمو     شمس الحقيقة من سناء تطلع

وإني ملزم بالكتابة لو تأثرت بالعاطفة فإني معذور .

وإن قصرت عن حقه فلا عذر لي في التقصير .

وإني لأعتبر ما أقدمه بداية لا نهاية وتذكرة للآخرين من حاضرين وغائبين ، لعلهم يتمون ما بقي ، ويكملون ما نقص .

وإذا كانت التراجم والسير تنقسم إلى ذاتية وغير ذاتية . والذاتية هي ما يكتبها الشخص عن نفسه من طفولته إلى رجولته . ويسجل ما جرى له وعليه . وهي أصدق ما تكون إن كان صاحبها معتدلا أمينا .

وقد ترجم بعض العلماء والفلاسفة لأنفسهم منهم :

1 - ابن سينا المتوفى سنة 428 كانت ترجمته لنفسه مرجعا لكل من كتب عنه من تلاميذه .

2 - والعماد الأصفهاني المتوفى سنة 597 في مقدمة كتابه " البرق الشامي " .

3 - وابن الخطيب المتوفى سنة 776 .

4 - وابن خلدون المتوفى سنة 805 ، والسيوطي وغيرهم .

والترجمة غير الذاتية ما يكتب غيره عنه .

وإن ما أقدمه في هذا المجال ليجمع بين القسمين الذاتي ، وغير الذاتي ، لأنه يشتمل على ما قاله هو عن نفسه وسمعته منه مباشرة . كما تشتمل على ما عرفته ولمسته من حياته مدة صحبتي له .

[ ص: 479 ] والله أسأل أن يجعل من سيرته خير قدوة لتلامذته ، وأن يجعل في ولديه خير خلف لخير سلف . وأن يأجرنا في مصيبتنا ويخلفنا خيرا منها ، ونسأله تعالى أن يتغمده بوافر رحمته ويسكنه فسيحه جنته ، وأن يجزل له العطاء ويجزيه أحسن الجزاء عما بذله من جهد ، وخلفه من علم . إنه جواد كريم ( إن أول ما يبدأ به في مثل هذا المقام لهو الاسم واللقب والنسب والنشأة والموطن ) . . إلخ .

التالي السابق


الخدمات العلمية