مؤلفاته رحمه الله : لا شك أن كل مؤلف يحكي شخصية مؤلفه في علمه وفي عقله بل وفي اتجاهه كما قالوا : من ألف فقد استهدف ، أي لأنه يعرض ما عنده على أنظار الناس . وللشيخ تآليف عديدة منها في بلاده ومنها هنا . فما كان في بلاده هو :
1 - في أنساب العرب نظما ، ألفه قبل البلوغ يقول في أوله :
سميته بخالص الجمان في ذكر أنساب
بني عدنان وبعد البلوغ دفنه قال لأنه كان على نية التفوق على الأقران ، وقد لامه مشايخه على دفنه وقالوا : كان من الممكن تحويل النية وتحسينها .
[ ص: 498 ] 2 - رجز في فروع مذهب
مالك يختص بالعقود في البيوع والرهون ، وهو آلاف متعددة قال في أوله :
الحمد لله الذي قد ندبا لأن نميز البيع عن لبس الربا ومن بالمؤلفين كتبا
تترك أطواد الجهالة هبا تكشف عن عين الفؤاد الحجبا
إذا حجاب دون علم ضربا
3 - ألفية في المنطق - أولها :
حمدا لمن أظهر للعقول حقائق المنقول والمعقول
وكشف الرين عن الأذهان بواضح الدليل والبرهان
وفتح الأبواب للألباب حتى استبانت ما وراء الباب
4 - نظم في الفرائض : أولها :
تركة الميت بعد الخامص من خمسة محصورة عن سادس
وحصرها في الخمسة استقراء وانبذ لحصر العقل بالعراء
أولها الحقوق بالأعيان تعلقت كالرهن أو كالجاني
وكزكاة التمر والحبوب إن مات بعد زمن الوجوب
وكل هذه المؤلفات مخطوطة .
أما مؤلفاته هنا فهي :
1 - منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز . وموضوعها إبطال إجراء المجاز في آيات الأسماء والصفات وإيفاؤها على الحقيقة . وقد زاد هذا المعنى فيما بعد في آداب البحث والمناظرة .
2 - دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب ، أبان فيه مواضع ما يشبه التعارض في القرءان كله كما في قوله تعالى :
وقفوهم إنهم مسئولون ، مع قوله تعالى :
فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ، وأن السؤال متنوع والمواقف متعددة . وقد طبع وما قبله ونفدا .
[ ص: 499 ] 3 - مذكرة الأصول على روضة الناظر : جمع في شرحها أصول الحنابلة والمالكية وبالتالي الشافعية . مقررة على كليتي الشريعة والدعوة .
4 - آداب البحث والمناظرة : أوضح فيه آداب البحث من إيراد المسائل وبيان الدليل ونحو ذلك . وهو أيضا مقرر في الجامعة ومن جزأين .
5 - أضواء البيان لتفسير القرءان بالقرءان : وهو مدرسة كاملة يتحدث عن نفسه ، طبع منه ستة أجزاء كبار والسابع تحت الطبع ، وصل فيه رحمه الله إلى نهاية " قد سمع " . ولعل الله يسير ويوفق من يعمل إلى إكماله ولو بقدر المستطاع . ومن عجيب الصدف أن يكون موقفه رحمه الله في التفسير على قوله تعالى :
أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون .
وهنا العديد من المحاضرات ذات المواضيع المستقلة طبعت كلها ونفدت وهي :
1 - آيات الصفات : أوضح فيها تحقيق إثبات صفات الله .
2 - حكمة التشريع : عالج فيها العديد من حكمة التشريع في كثير من أحكامه .
3 - المثل العليا : بين فيها المثالية في العقيدة والتشريع والأخلاق .
4 - المصالح المرسلة : بين فيها ضابط استعمالها بين الإفراط والتفريط .
5 - حول شبهة الرقيق : رفع اللبس عن ادعاء استرقاق الإسلام للأحرار .
6 - على
اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ، ألقاها بحضرة الملك
محمد الخامس عند زيارته
للمدينة ، وكلها عامة نافعة جديدة .
وبالتالي فقد كان لمنهجه العلمي في أبحاثه وتدريسه وفي مؤلفاته إحياء لعلوم درست وتصحيح لمفاهيم اختلفت .
فمما أحيا من العلوم علم الأصول الذي هو أصل الاستدلال والاستنباط ، والاجتهاد الترجيح وعمدة المجتهد وعماده ، وبجهله لا يحق الاجتهاد ويجب التقليد المحض . كما يقولون : جهلة الأصول عوام العلماء : ففتح - أبوابه وسهل صعابه وأوضح قواعده ، وقرب تناوله تسهيلا لأخذ الأحكام من مصادرها ورد الفروع إلى أصولها .
[ ص: 500 ] كما أحيا آداب البحث والمناظرة فوضع منهجه وألف مقرره فكان خدمة للعقيدة في أسلوب بيانها ، وكيفية إثباتها والدفاع عنها وطرق الإقناع بما فيه الخلاف .
كما فتح أبوابا جديدة وأحدث فنونا طريفة في علوم القرءان من منع المجاز عن المنزل للتعبد والإعجاز ، إثباتا لمعاني آيات الصفات على حقيقتها وسد باب تعطيلها عن دلالتها إجراء للنص على حقيقته وإبقاء عليه في دلالته .
ومن دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب وبيان تصديق آي الكتاب بعضه بعضا بدون تعارض ولا إشكال .
ومن تسليط أضواء البيان عن تفسير القرءان بالقرءان رسم فيه المنهج السليم لتفسير القرآن الكريم ، تفسير كلام الله بعضه ببعض ، وأبان أحكامه وحكمه وفتح كنوزه وأطلع نفائيه ونشر درره على طلبة العلم .
وكل ذلك فتح جديد في علوم القرءان لم تكن موجودة على هذا النسق من قبل ، ولم تكن تدرس بهذا المثل .
كما أنه في غضونها صحح مفاهيم مختلفة منها أن المنطق لم يكن يعرف عنه إلا أنه تقديم العقل على النقل ومصادمة النص بالرأي ، وكان فعلا وسيلة التشكيك في العقيدة باستخدام قضايا عقيمة . فهذب الشيخ رحمه الله من أبحاثه وأحسن باستخدامه فنظم قضاياه المنتجة ورتب أشكاله السليمة واستخدام قياسه في الإلزام . سواء في العقيدة أو أصول الأحكام ، وبعد أن كان يستخدم ضدها أصبح يعمل في خدمتها . كما وضح ذلك في آداب البحث والمناظرة .