المسألة الثالثة :
يشترط في جواز الأمر بالمعروف ألا يؤدي إلى مفسدة أعظم من ذلك المنكر ; لإجماع المسلمين على ارتكاب أخف الضررين ، قال في " مراقي السعود " : [ الرجز ]
[ ص: 465 ] وارتكب الأخف من ضرين وخيرن لدى استوا هذين
ويشترط في وجوبه مظنة النفع به ، فإن
جزم بعدم الفائدة فيه لم يجب عليه ، كما يدل له ظاهر قوله تعالى :
فذكر إن نفعت الذكرى [ 87 \ 9 ] ، وقوله - صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007539بل ائتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بخاصة نفسك ، ودع عنك أمر العوام ، فإن من ورائكم أياما ، الصابر فيهن كالقابض على الجمر ، للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم " ، وفي لفظ : " قيل : يا رسول الله أجر خمسين رجلا منا ، أو منهم ؟ قال : بل أجر خمسين منكم " ، أخرجه
الترمذي ،
والحاكم ، وصححاه ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
والبغوي في " معجمه " ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني ،
وأبو الشيخ ،
وابن مردويه ،
والبيهقي في " الشعب " من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=1500أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - وقال الراوي : هذا الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003048عنه أبو أمية الشعباني ، وقد سأله عن قوله تعالى : عليكم أنفسكم ، والله لقد سألت عنها خبيرا ، سألت عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " بل ائتمر " إلى آخر الحديث .
وهذه الصفات المذكورة في الحديث من الشح المطاع ، والهوى المتبع . . . إلخ ، مظنة لعدم نفع الأمر بالمعروف ; فدل الحديث على أنه إن عدمت فائدته سقط وجوبه .
تنبيه
الأمر بالمعروف له ثلاث حكم :
الأولى : إقامة حجة الله على خلقه ، كما قال تعالى :
رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل [ 4 \ 165 ] .
الثانية : خروج الآمر من عهدة التكليف بالأمر بالمعروف ، كما قال تعالى في صالحي القوم الذين اعتدى بعضهم في السبت :
قالوا معذرة إلى ربكم الآية [ 7 \ 164 ] ، وقال تعالى :
فتول عنهم فما أنت بملوم [ 51 \ 54 ] ; فدل على أنه لو لم يخرج من العهدة ، لكان ملوما .
الثالثة : رجاء النفع للمأمور ، كما قال تعالى :
معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون [ ص: 466 ] وقال تعالى :
وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين [ 51 \ 55 ] ، وقد أوضحنا هذا البحث في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " في سورة الأعلى في الكلام على قوله تعالى :
فذكر إن نفعت الذكرى [ 87 \ 9 ] ، ويجب على الإنسان أن يأمر أهله بالمعروف كزوجته ، وأولاده ، ونحوهم ، وينهاهم عن المنكر ; لقوله تعالى :
ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا الآية [ 66 \ 6 ] ، وقوله - صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007540كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " ، الحديث .