قوله تعالى :
وآتوا حقه يوم حصاده الآية .
اختلف العلماء في المراد بهذا الحق المذكور هنا ، وهل هو منسوخ أو لا ؟ فقال جماعة من العلماء : هذا الحق هو الزكاة المفروضة ، وممن قال بهذا
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ،
والحسن ،
وابن زيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12691وابن الحنفية ،
والضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ،
ومالك ، ونقله عنهم
القرطبي ، نقله
ابن كثير عن
أنس وسعيد ، وغيرهما ، ونقله
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وأنس ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ،
nindex.php?page=showalam&ids=12691ومحمد ابن الحنفية ،
والضحاك ،
وابن زيد .
وقال قوم : ليس المراد به الزكاة ، وإنما المراد به أنه يعطي من حضر من المساكين يوم الحصاد القبضة ، والضغث ، ونحو ذلك ، وحمله بعضهم على الوجوب ، وحمله بعضهم على الندب ، قال
القرطبي : وقال
علي بن الحسين ،
وعطاء ،
والحكم ،
وحماد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
ومجاهد : هو حق في المال سوى الزكاة ، أمر الله به ندبا ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=12691ومحمد ابن الحنفية أيضا ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد الخدري عنه - صلى الله عليه وسلم - قال
مجاهد : إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم من السنبل ، وإذا جذذت فألق لهم من الشماريخ ، وإذا درسته وذريته فاطرح لهم منه ، وإذا عرفت كيله فأخرج منه زكاته .
وقال قوم : هو حق واجب غير الزكاة ، وهو غير محدد بقدر معين ، وممن قال به
عطاء ، كما نقله عنه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير .
وقال قوم : هي منسوخة بالزكاة ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، وعزاه
الشوكاني في " تفسيره " لجمهور العلماء ، وأيده بأن هذه السورة مكية ، وآية الزكاة نزلت
بالمدينة في السنة الثانية بعد الهجرة .
وقال
ابن كثير : في القول بالنسخ نظر ; لأنه قد كان شيئا واجبا في الأصل ، ثم إنه فصل بيانه ، وبين مقدار المخرج وكميته ، قالوا : وكان هذا في السنة الثانية من الهجرة ، والله أعلم ، انتهى من
ابن كثير .
ومراده أن شرع الزكاة بيان لهذا الحق لا نسخ له ، وممن روى عنه القول بالنسخ
ابن [ ص: 495 ] عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=12691ومحمد ابن الحنفية ،
والحسن ،
والنخعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ،
وأبو الشعثاء ،
وقتادة والضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج ، نقله عنهم
الشوكاني ،
والقرطبي أيضا ونقله عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وعطية ، ونقله
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=12691وابن الحنفية ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
وإبراهيم ،
والحسن ،
والسدي ،
وعطية ، واستدل
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير للنسخ بالإجماع على أن
زكاة الحرث لا تؤخذ إلا بعد التذرية والتنقية ،
وزكاة التمر لا تؤخذ إلا بعد الجذاذ ، فدل على عدم الأخذ يوم الحصاد ، فعلم أن الآية منسوخة ، أو أنها على سبيل الندب ، فالأمر واضح .
وعلى أن المراد بها الزكاة ، فقد أشير إلى أن هذا الحق المذكور هو جزء المال الواجب في النصاب في آيات الزكاة ، وهو المذكور في قوله :
ياأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض الآية [ 2 \ 267 ] ، وبينته السنة ، فإذا علمت ذلك ، فاعلم أنه يحتاج هنا إلى بيان ثلاثة أشياء :
الأول : تعيين ما تجب فيه الزكاة مما تنبته الأرض .
الثاني : تعيين القدر الذي تجب فيه الزكاة منه .
الثالث : تعيين القدر الواجب فيه وسنبينها إن شاء الله مفصلة .
اعلم أولا أنه لا خلاف بين العلماء في وجوب
الزكاة في الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب .
واختلف فيما سواها مما تنبته الأرض ، فقال قوم : لا زكاة في غيرها من جميع ما تنبته الأرض ، وروي ذلك عن
الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي .
وقال به من
الكوفيين nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن صالح ،
nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك ،
nindex.php?page=showalam&ids=17294ويحيى بن آدم ، وإليه ذهب
أبو عبيد .
وروي ذلك عن
أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مذهب
أبي موسى ، فإنه كان لا يأخذ الزكاة إلا من الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن
طلحة بن يحيى ، عن
أبي بردة ، عن أبيه ، كما نقله عنهم
القرطبي .
واستدل أهل هذا القول بما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو ، أنه قال : إنما سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة في الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، وفي رواية عن أبيه ، عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007551 " والعشر في التمر [ ص: 496 ] والزبيب والحنطة والشعير " ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17176موسى بن طلحة عن
عمر أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007552 " إنما سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة في هذه الأربعة : الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب " .
وعن
أبي بردة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007553عن أبي موسى ، ومعاذ : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثهما إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم ، فأمرهم ألا يأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة ، الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب " ، رواها كلها
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " .
قال مقيده - عفا الله عنه : أما ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده من أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما سن الزكاة في الأربعة المذكورة ، فإسناده واه ; لأنه من رواية
محمد بن عبيد الله العزرمي ، وهو متروك ، قاله
ابن حجر في " التلخيص " ، وما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=17176موسى بن طلحة ، عن
عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما سن الزكاة في الأربعة المذكورة ، قال فيه
أبو زرعة : موسى عن
عمر مرسل ، قاله
ابن حجر أيضا ، وما عزاه
nindex.php?page=showalam&ids=14269للدارقطني عن
أبي بردة ، عن
أبي موسى ،
ومعاذ ، رواه
الحاكم ،
والبيهقي ، عن
أبي بردة ، عنهما .
وقال
البيهقي : رواته ثقات ، وهو متصل ، قاله
ابن حجر أيضا ، وقال
مالك وأصحابه : تجب
الزكاة في كل مقتات مدخر ، وذلك عنده في ثمار الأشجار ، إنما هو التمر والزبيب فقط ، ومشهور مذهبه وجوب الزكاة في الزيتون ، إذا بلغ حبه خمسة أوسق ، ولكنها تخرج من زيته بعد العصر ، فيخرج عشره أو نصف عشره على ما سيأتي ، فإن لم يبلغ حبه خمسة أوسق ، فلا زكاة عنده في زيته ، وحكم السمسم ، وبزر الفجل الأحمر ، والقرطم حكم الزيتون في مشهور مذهبه ، يخرج من زيتها إن بلغ حبها النصاب .
وقال
اللخمي : لا يضم زيت بعضها إلى بعض لاختلاف أجناسها ، ومشهور مذهبه عدم وجوبها في التين ، وأوجبها فيه جماعة من أصحابه بمقتضى أصوله ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : أظن
مالكا ما كان يعلم أن التين ييبس ، ويقتات ، ويدخر ، ولو كان يعلم ذلك لجعله كالزبيب ، ولما عده مع الفواكه التي لا تيبس ، ولا تدخر كالرمان ، والفرسك ، والذي تجب فيه من الحبوب عنده هو ما يقتات ويدخر ، وذلك الحنطة ، والشعير ، والسلت والعلس ، والدخن ، والذرة ، والأرز ، والعدس ، والجلبان ، واللوبيا ، والجلجلان ، والترمس ، والفول ، والحمص ، والبسيلة .
ومشهور مذهبه أن
الكرسنة لا زكاة فيها ; لأنها علف ، وعن أشهب وجوب الزكاة فيها ، وهي من القطاني على مشهور مذهبه في باب الربا ، دون باب الزكاة .
[ ص: 497 ] وقيل هي البسيلة ، وجميع أنواع القطاني عند
مالك جنس واحد في الزكاة ، فلو حصد وسقا من فول ، ووسقا من حمص ، وآخر من عدس ، وآخر من جلبان ، وآخر من لوبيا ، وجب عليه أن يضم بعضها إلى بعض ، ويخرج الزكاة منها كل واحد بحسبه ، وكذلك يضم عنده القمح ، والشعير ، والسلت بعضها إلى بعض ، كالصنف الواحد ، وتخرج الزكاة منها كل بحسبه ، ولا يضم عنده تمر إلى زبيب ، ولا حنطة إلى قطنية ، ولا تمر إلى حنطة ، ولا أي جنس إلى جنس آخر ، غير ما ذكرنا عنه ضمه لتقارب المنفعة فيه عنده ، والنوع الواحد ، كالتمر ، والزبيب ، والحنطة يضم بعض أنواعه إلى بعض كصيحاني ، وبرني ، وسمراء ، ومحمولة ، وزبيب أسود ، وزبيب أحمر ، ونحو ذلك .
ولا زكاة عند
مالك - رحمه الله - في شيء من الفواكه غير ما ذكرنا ، كالرمان - والتفاح - والخوخ والإجاص ، والكمثرى ، واللوز ، والجوز ، والجلوز ، ونحو ذلك كما لا زكاة عنده في شيء من الخضراوات ، قال في " الموطإ " : السنة التي لا اختلاف فيها عندنا ، والذي سمعت من أهل العلم : أنه
ليس في شيء من الفواكه كلها صدقة ، الرمان ، والفرسك ، والتين ، وما أشبه ذلك ، وما لم يشبهه إذا كان من الفواكه .
قال : ولا في القضب ، ولا في البقول كلها صدقة ، ولا في أثمانها إذا بيعت صدقة ، حتى يحول على أثمانها الحول من يوم بيعها ، ويقبض صاحبها ثمنها وهو نصاب . اهـ .
والفرسك : بكسر الفاء والسين بينها راء ساكنة آخره كاف - الخوخ ، وهي لغة يمانية ، وقيل : نوع مثله في القدر ، وهو أجرد أملس أحمر وأصفر جيد ، وقيل : ما ليس ينفلق عن نواة من الخوخ . وإذا كان الزرع أو الثمر مشتركا بين اثنين فأكثر ، فقد قال فيه
مالك في " الموطإ " : في النخيل يكون بين الرجلين فيجذان منه ثمانية أوسق من التمر أنه لا صدقة عليهما فيها ، وأنه إن كان لأحدهما منها ما يجذ منه خمسة أوسق ، وللآخر ما يجذ أربعة أوسق ، أو أقل من ذلك في أرض واحدة ، كانت الصدقة على صاحب الخمسة الأوسق ، وليس على الذي جذ أربعة أوسق أو أقل منها صدقة ، وكذلك العمل في الشركاء كلهم في كل زرع من الحبوب كلها يحصد ، أو النخل يجذ ، أو الكرم يقطف ، فإنه إذا كان كل رجل منهم يجذ من التمر ، أو يقطف من الزبيب خمسة أوسق ، أو يحصد من الحنطة خمسة أوسق ، فعليه الزكاة ، ومن كان حقه أقل من خمسة أوسق ، فلا صدقة عليه .
وإنما تجب الصدقة على من بلغ جذاذه ، أو قطافه ، أو حصاده خمسة أوسق ، انتهى من
[ ص: 498 ] " موطإ "
مالك - رحمه الله .
وإذا أمسك ذلك الحب أو التمر الذي أخرج زكاته سنين ، ثم باعه - فحكمه عند
مالك ما ذكره في " موطئه " حيث قال : السنة عندنا أن كل ما أخرجت زكاته من هذه الأصناف كلها الحنطة ، والتمر ، والزبيب ، والحبوب كلها ، ثم أمسكه صاحبه بعد أن أدى صدقته سنين ، ثم باعه ، أنه ليس عليه في ثمنه زكاة ، حتى يحول على ثمنه الحول من يوم باعه ، إذا كان أصل تلك الأصناف من فائدة أو غيرها ، وأنه لم يكن للتجارة .
وإنما ذلك بمنزلة الطعام ، والحبوب ،
والعروض يفيدها الرجل ، ثم يمسكها سنين ، ثم يبيعها بذهب أو ورق ، فلا يكون عليه في ثمنها زكاة حتى يحول عليها الحول من يوم باعها ، فإن كان أصل تلك العروض للتجارة ; فعلى صاحبها فيها الزكاة حين يبيعها ، إذا كان حبسها سنة من يوم زكى المال الذي ابتاعها به ، انتهى في " الموطإ " ، وهذا في المحتكر ، أما المدير فإنه يقومها بعد حول من زكاته ، كما في " المدونة " عن ابن القاسم .
هذا هو حاصل مذهب
مالك - رحمه الله - فيما تجب فيه الزكاة من الثمار والحبوب ، ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله : أنه
لا تجب الزكاة في شيء من ثمار الأشجار أيضا ، إلا فيما كان قوتا يدخر ، وذلك عنده التمر والزبيب فقط ، كما تقدم عن
مالك ، ولا تجب عنده في سواهما من الثمار كالتين ، والتفاح ، والسفرجل ، والرمان ، ونحو ذلك ; لأنه ليس من الأقوات ولا من الأموال المدخرة ، ولا تجب عنده في طلع الفحال ; لأنه لا يجيء منه الثمار .
واختلف قوله في الزيتون ، فقال في القديم ، تجب فيه الزكاة ; لما روي عن
عمر - رضي الله عنه - أنه جعل في الزيت العشر ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال : في الزيتون الزكاة ، وقال في الجديد :
لا زكاة في الزيتون ; لأنه ليس بقوت فهو كالخضراوات .