[ ص: 535 ] ومن ذلك حشرات الأرض : كالفأرة ، والحيات ، والأفاعي ، والعقارب ، والخنفساء ، والعظاية ، والضفادع ، والجرذان ، والوزغ ، والصراصير ، والعناكب ، وسام أبرص ، والجعلان ، وبنات وردان ، والديدان ، وحمار قبان ، ونحو ذلك .
فجمهور العلماء على تحريم أكل هذه الأشياء ; لأنها مستخبثة طبعا ، والله تعالى يقول :
ويحرم عليهم الخبائث .
وممن قال بذلك :
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأبو حنيفة ،
وأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13283وابن شهاب ،
وعروة ، وغيرهم - رحمهم الله تعالى .
ورخص في أكل ذلك :
مالك ، واشترط في جواز أكل الحيات أن يؤمن سمها .
وممن روي عنه الترخيص في
أكل الحشرات :
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى ، واحتجوا بما رواه
أبو داود ،
والبيهقي ، من حديث
ملقام بن تلب ، عن أبيه
تلب بن ثعلبة بن ربيعة التميمي العنبري - رضي الله عنه - قال : صحبت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم أسمع لحشرة الأرض تحريما .
واحتجوا أيضا بأن الله حرم أشياء ، وأباح أشياء ، فما حرم فهو حرام ، وما أباح فهو مباح ، وما سكت عنه فهو عفو .
وقالت
عائشة - رضي الله عنها - في
الفأرة : ما هي بحرام ، وقرأت قوله تعالى :
قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية .
ويجاب عن هذا بأن
ملقام بن تلب مستور لا يعرف حاله ، وبأن قول أبيه
تلب بن ثعلبة - رضي الله عنه - لم أسمع لحشرة الأرض تحريما لا يدل على عدم تحريمها ، كما قاله
الخطابي ،
والبيهقي ; لأن عدم سماع صحابي لشيء لا يقتضي انتفاءه كما هو معلوم ، وبأنه تعالى لم يسكت عن هذا ; لأنه حرم الخبائث ، وهذه خبائث ، لا يكاد طبع سليم يستسيغها ، فضلا عن أن يستطيبها ، والذين يأكلون مثل هذه الحشرات من العرب ، إنما يدعوهم لذلك شدة الجوع ، كما قال أحد شعرائهم : [ الطويل ]
أكلنا الربى يا أم عمرو ومن يكن غريبا لديكم يأكل الحشرات
والربى جمع ربية ، وهي الفأرة ، قاله
القرطبي ، وفي " اللسان " أنها دويبة بين الفأرة وأم حبين ، ولتلك الحاجة الشديدة لما سئل بعض العرب عما يأكلون ، قال : كل ما دب
[ ص: 536 ] ودرج ، إلا أم حبين ، فقال : لتهن أم حبين العافية .
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أباح قتل الفأرة ، وما ذكر معها من الفواسق ، فدل ذلك على عدم إباحتها .
واعلم أن ما ذكره بعض أهل العلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790كالشافعي ، من أن كل ما يستخبثه الطبع السليم من العرب الذين نزل القرآن عليهم في غير حال ضرورة الجوع حرام ; لقوله تعالى :
ويحرم عليهم الخبائث الآية ، استدلال ظاهر ، لا وجه لما رده به أهل الظاهر من أن ذلك أمر لا يمكن أن يناط به حكم ; لأنه لا ينضبط ; لأن معنى الخبث معروف عندهم ، فما اتصف به فهو حرام ، للآية .
ولا يقدح في ذلك النص على إباحة بعض المستخبثات ، كالثوم ; لأن ما أخرجه الدليل يخصص به عموم النص ، ويبقى حجة فيما لم يخرجه دليل ، كما قدمنا .
ويدخل فيه أيضا كل ما نص الشرع على أنه خبيث ، إلا لدليل يدل على إباحته ، مع إطلاق اسم الخبث عليه .
واستثنى بعض أهل العلم من حشرات الأرض الوزغ ، فقد ادعى بعضهم الإجماع على تحريمه ، كما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " عن
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر .
قال مقيده - عفا الله عنه : ويدل له حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11598أم شريك المتفق عليه : أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الأوزاغ ، وكذلك روى الشيخان أيضا عن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - موصولا عند
مسلم ، ومحتملا للإرسال عند
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، فإن قوله : وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص أنه أمر بقتله ، محتمل لأن يكون من قول
عائشة ، ومحتمل لأن يكون من قول
عروة ; وعليهما فالحديث متصل ، ويحتمل أن يكون من قول
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ; فيكون منقطعا ، واختاره
ابن حجر في " الفتح " ، وقال : كأن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري وصله
لمعمر ، وأرسله
ليونس . اهـ ، ومن طريق
يونس رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، ومن طريق
معمر رواه
مسلم ، وروى
مسلم في " صحيحه " من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا : الترغيب في
قتل الوزغ ، وكل ذلك يدل على تحريمه .