قوله تعالى : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده الآية ، قد يتوهم غير العارف من مفهوم مخالفة هذه الآية الكريمة ، أعني مفهوم الغاية في قوله :
حتى يبلغ أشده [ 6 \ 152 ] أنه إذا بلغ أشده ، فلا مانع من قربان ماله بغير التي هي أحسن ، وليس ذلك مرادا بالآية ، بل الغاية ببلوغ الأشد يراد بها : أنه إن بلغ أشده يدفع إليه ماله ، إن أونس منه الرشد ، كما بينه تعالى بقوله :
فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم الآية [ 4 \ 6 ] .
والتحقيق أن المراد بالأشد في هذه الآية البلوغ ; بدليل قوله تعالى :
حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا الآية .
والبلوغ يكون بعلامات كثيرة ، كالإنبات ، واحتلام الغلام ، وحيض الجارية ، وحملها ، وأكثر أهل العلم على أن
سن البلوغ خمس عشرة سنة ، ومن العلماء من قال : إذا بلغت قامته خمسة أشبار فقد بلغ ، ويروى هذا القول عن
علي ، وبه أخذ
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق في قوله يرثي
nindex.php?page=showalam&ids=17357يزيد بن المهلب : [ الكامل ]
ما زال مذ عقدت يداه إزاره فسما فأدرك خمسة الأشبار
يدني خوافق من خوافق تلتقي في ظل معتبط الغبار مثار
والأشد ، قال بعض العلماء : هو واحد لا جمع له كالآنك ، وهو الرصاص ، وقيل : واحده شد ، كفلس وأفلس ، قاله
القرطبي وغيره ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أنه جمع شدة ، ومعناه حسن ; لأن العرب تقول : بلغ الغلام شدته ، إلا أن جمع الفعلة فيه على أفعل غير معهود ،
[ ص: 546 ] كما قاله
الجوهري ، وأما أنعم ، فليس جمع نعمة ، وإنما هو جمع نعم من قولهم بئس ونعم ، قاله
القرطبي ، وقال أيضا : وأصل الأشد من شد النهار إذا ارتفع ، يقال : أتيته شد النهار ، وكان
محمد بن محمد الضبي ينشد بيت
عنترة : [ الكامل ]
عهدي به شد النهار كأنما خضب اللبان ورأسه بالعظلم
وقال الآخر : [ الطويل ]
تطيف به شد النهار ظعينة طويلة أنقاء اليدين سحوق
قال مقيده - عفا الله عنه : ومنه قول
كعب بن زهير : [ البسيط ]
شد النهار ذراعا عيطل نصف قامت فجاوبها نكد مثاكيل
فقوله : " شد النهار " يعني وقت ارتفاعه ، وهو بدل من اليوم ، في قوله قبله :
يوما يظل به الحرباء مصطخدا كأن ضاحيه بالشمس محلول
فشد النهار بدل من قوله يوما ، بدل بعض من كل ، كما أن قوله : " يوما " بدل من إذا في قوله قبل ذلك : [ البسيط ]
كأن أوب ذراعيها إذا عرقت وقد تلفع بالقور العساقيل
لأن الزمن المعبر عنه " بإذا " هو بعينه اليوم المذكور في قوله : " يوما يظل " البيت ، ونظيره في القرآن قوله تعالى :
فإذا جاءت الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى [ 79 \ 34 ، 35 ] ، وقوله :
فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرء الآية [ 80 \ 33 ، 34 ] ، وإعراب أبيات
كعب هذه يدل على جواز تداخل البدل ، وقوله : " ذراعا عيطل " خبر كأن في قوله : " كأن أوب ذراعيها " البيت .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : الأشد ثلاثون سنة ، وقيل : أربعون سنة ، وقيل : ستون سنة ، ولا يخفى أن هذه الأقوال بعيدة عن المراد بالآية كما بينا ، وإن جازت لغة ، كما قال
سحيم بن وثيل : [ الوافر ]
أخو خمسين مجتمع أشدي ونجذني مداورة الشئون