[ ص: 48 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأنفال
قوله تعالى :
يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول الآية .
اختلف العلماء في
المراد بالأنفال هنا على خمسة أقوال :
الأول : أن المراد بها خصوص ما شذ عن الكافرين إلى المؤمنين ، وأخذ بغير حرب كالفرس والبعير يذهب من الكافرين إلى المسلمين ، وعلى هذا التفسير فالمراد بالأنفال هو المسمى عند الفقهاء فيئا ، وهو الآتي بيانه في قوله تعالى :
وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب [ 59 \ 6 ] ، وممن قال بهذا القول
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح .
الثاني : أن المراد بها الخمس وهو قول
مالك .
الثالث : أن المراد بها خمس الخمس .
الرابع : أنها الغنيمة كلها ، وهو قول الجمهور وممن قال به
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
ومجاهد وعكرمة ،
وعطاء ،
والضحاك ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16566وعطاء الخراساني nindex.php?page=showalam&ids=17132، ومقاتل بن حيان ،
nindex.php?page=showalam&ids=16327وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغير واحد قاله
ابن كثير .
الخامس : أن المراد بها أنفال السرايا خاصة ، وممن قال به
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، ونقله
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=16626علي بن صالح بن حي ، والمراد بهذا القول : ما ينفله الإمام لبعض السرايا زيادة على قسمهم مع بقية الجيش ، واختار
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير أن المراد بها الزيادة على القسم . قال
ابن كثير : ويشهد لذلك ما ورد في سبب نزول الآية ، وهو ما رواه
أحمد حيث قال : حدثنا
أبو معاوية ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11814أبو إسحاق الشيباني ، عن
محمد بن عبيد الله الثقفي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007622لما كان يوم بدر ، وقتل أخي عمير قتلت nindex.php?page=showalam&ids=74سعيد بن العاص ، وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكتيفة ، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " اذهب فاطرحه في القبض " قال : فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي ، قال : فما جاوزت إلا يسيرا حتى نزلت سورة الأنفال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اذهب فخذ سلبك " ، وقال الإمام
أحمد أيضا :
[ ص: 49 ] حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16081أسود بن عامر ، أخبرنا
أبو بكر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم بن أبي النجود ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17092مصعب بن سعد ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007623عن سعد بن مالك قال : قلت : يا رسول الله قد شفاني الله اليوم من المشركين فهب لي هذا السيف ، فقال : " إن هذا السيف لا لك ولا لي ضعه " قال : فوضعته ، ثم رجعت فقلت : عسى أن يعطى هذا السيف من لا يبلي بلائي ، قال : فإذا رجل يدعوني من ورائي قال : قلت قد أنزل الله في شيئا ، قال : كنت سألتني السيف ، وليس هو لي وإنه قد وهب لي فهو لك ، قال : وأنزل الله هذه الآية : يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول [ 8 \ 1 ] ، ورواه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من طرق عن
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبي بكر بن عياش ، وقال
الترمذي : حسن صحيح ، وهكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي : أخبرنا
شعبة ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007624سمعت nindex.php?page=showalam&ids=17092مصعب بن سعد يحدث عن سعد قال : نزلت في أربع آيات من القرآن : أصبت سيفا يوم بدر فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : نفلنيه ، فقال : " ضعه من حيث أخذته " مرتين ، ثم عاودته فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ضعه من حيث أخذته " فنزلت هذه الآية يسألونك عن الأنفال الآية ، وتمام الحديث في نزول
ووصينا الإنسان بوالديه حسنا [ 29 \ 8 ] ، وقوله تعالى :
إنما الخمر والميسر الآية [ 5 \ 90 ] ، وآية الوصية ، وقد رواه
مسلم في صحيحه من حديث
شعبة به ، وقال
محمد بن إسحاق : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16397عبد الله بن أبي بكر ، عن بعض
بني ساعدة ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007625سمعت nindex.php?page=showalam&ids=45أبا أسيد مالك بن ربيعة يقول : أصبت سيف ابن عائذ يوم بدر ، وكان السيف يدعى بالمرزبان ، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يردوا ما في أيديهم من النفل أقبلت به فألقيته في النفل ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع شيئا يسأله ، فرآه nindex.php?page=showalam&ids=377الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه إياه ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير من وجه آخر ، اهـ كلام
ابن كثير .
قال مقيده عفا الله عنه : جمهور العلماء على أن الآية نزلت في غنائم
بدر لما اختلف الصحابة فيها ، فقال بعضهم : نحن هم الذين حزنا الغنائم ، وحويناها فليس لغيرنا فيها نصيب ، وقالت المشيخة : إنا كنا لكم ردءا ، ولو هزمتم للجأتم إلينا فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وقد روى الإمام
أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت : أنها نزلت في ذلك . وقال
الترمذي : هذا حديث صحيح ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في " صحيحه " ،
والحاكم في " المستدرك " ، وقال ، صحيح الإسناد على شرط
مسلم ولم يخرجاه ; وروى نحو ذلك
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ،
والحاكم ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن مردويه من طرق عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
عكرمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وعلى هذا القول الذي هو قول الجمهور ، فالآية
[ ص: 50 ] مشكلة مع قوله تعالى :
واعلموا أنما غنمتم من شيء الآية [ 8 \ 41 ] .
وأظهر الأقوال التي يزول بها الإشكال في الآية ، هو ما ذكره
أبو عبيد ونسبه
القرطبي في تفسيره لجمهور العلماء أن قوله تعالى :
واعلموا أنما غنمتم الآية ، ناسخ لقوله :
يسألونك عن الأنفال ، إلا أن قول
أبي عبيد : إن غنائم
بدر لم تخمس لأن آية الخمس لم تنزل إلا بعد قسم غنائم
بدر - غير صحيح ، ويدل على بطلانه ما ثبت في صحيح
مسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007626كان لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا من الخمس يومئذ " الحديث . فهذا نص صحيح في تخميس غنائم
بدر ; لأن قول علي في هذا الحديث الصحيح يومئذ صريح في أنه يعني يوم
بدر كما ترى .
فالحاصل أن آية
واعلموا أنما غنمتم الآية ، بينت أنه
ليس المراد قصر الغنائم على الرسول المذكور في أول السورة ، وأنها تعطى أربعة أخماس منها للغانمين ، وقد ذكرنا آنفا أن
أبا عبيد قال : إنها ناسخة لها ، ونسبه
القرطبي للجمهور ، وسيأتي لهذا المبحث زيادة إيضاح إن شاء الله تعالى في الكلام على قوله :
واعلموا أنما غنمتم الآية .