قوله تعالى :
واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل .
ظاهر هذه الآية الكريمة أن كل شيء حواه المسلمون من أموال الكفار فإنه يخمس حسبما نص عليه في الآية ، سواء أوجفوا عليه الخيل والركاب أو لا ، ولكنه تعالى بين في سورة " الحشر " أن ما أفاء الله على رسوله من غير إيجاف المسلمين عليه الخيل والركاب ، أنه لا يخمس ومصارفه التي بين أنه يصرف فيها كمصارف خمس الغنيمة المذكورة هنا ، وذلك في قوله تعالى : في فيء
بني النضير وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب الآية [ 6 ] ، ثم بين شمول الحكم لكل ما أفاء الله على رسوله من جميع القرى بقوله :
ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول الآية [ 7 ] .
اعلم أولا أن أكثر العلماء : فرقوا بين
الفيء والغنيمة فقالوا :
الفيء : هو ما يسره الله للمسلمين من أموال الكفار من غير انتزاعه منهم بالقهر ، كفيء
بني النضير الذين نزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وسلم ، ومكنوه من أنفسهم وأموالهم يفعل فيها ما يشاء لشدة الرعب الذي ألقاه الله في قلوبهم ، ورضي لهم صلى الله عليه وسلم أن يرتحلوا بما يحملون على الإبل غير السلاح ، وأما
الغنيمة : فهي ما انتزعه المسلمون من الكفار بالغلبة والقهر ، وهذا التفريق يفهم من قوله :
واعلموا أنما غنمتم الآية ، مع قوله :
فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ، فإن قوله تعالى :
فما أوجفتم عليه الآية ، ظاهر في أنه يراد به بيان الفرق بين ما أوجفوا عليه وما لم يوجفوا عليه كما ترى ، والفرق المذكور بين الغنيمة والفيء عقده الشيخ
أحمد البدوي الشنقيطي في نظمه للمغازي بقوله في غزوة
بني النضير : [ الرجز ]
وفيئهم والفيء في الأنفال ما لم يكن أخذ عن قتال [ ص: 55 ] أما الغنيمة فعن زحاف
والأخذ عنوة لدى الزحاف
لخير مرسل إلخ .
وقوله : وفيئهم مبتدأ خبره لخير مرسل ، وقوله : والفيء في الأنفال . . . إلخ ، كلام اعتراضي بين المبتدأ والخبر بين به الفرق بين الغنيمة والفيء ، وعلى هذا القول فلا إشكال في الآيات ; لأن آية :
واعلموا أنما غنمتم ، ذكر فيها حكم الغنيمة ، وآية :
ما أفاء الله على رسوله ذكر فيها حكم الفيء وأشير لوجه الفرق بين المسألتين بقوله :
فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب أي فكيف يكون غنيمة لكم ، وأنتم لم تتعبوا فيه ولم تنتزعوه بالقوة من مالكيه .
وقال بعض العلماء : إن الغنيمة والفيء واحد ، فجميع ما أخذ من الكفار على أي وجه كان غنيمة وفيئا ، وهذا قول
قتادة رحمه الله وهو المعروف في اللغة ، فالعرب تطلق اسم الفيء على الغنيمة ، ومنه قول
مهلهل بن ربيعة التغلبي : [ الوافر ]
فلا وأبي جليلة ما أفأنا من النعم المؤبل من بعير
ولكنا نهكنا القوم ضربا على الأثباج منهم والنحور
يعني أنهم لم يشتغلوا بسوق الغنائم ولكن بقتل الرجال فقوله :
أفأنا : يعني غنمنا ، ويدل لهذا الوجه قوله تعالى :
وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك [ 33 \ 50 ] ; لأن ظاهر هذه الآية الكريمة شمول ذلك لجميع المسبيات ولو كن منتزعات قهرا ، ولكن الاصطلاح المشهور عند العلماء هو ما قدمنا من الفرق بينهما ، وتدل له آية الحشر المتقدمة ، وعلى قول
قتادة فآية الحشر مشكلة مع آية الأنفال هذه ، ولأجل ذلك الإشكال قال
قتادة - رحمه الله تعالى - : إن آية
واعلموا أنما غنمتم الآية ، ناسخة لآية
وما أفاء الله على رسوله الآية ، وهذا القول الذي ذهب إليه رحمه الله باطل بلا شك ، ولم يلجئ
قتادة رحمه الله إلى هذا القول إلا دعواه اتحاد الفيء والغنيمة ، فلو فرق بينهما كما فعل غيره لعلم أن آية الأنفال في الغنيمة ، وآية الحشر في الفيء ، ولا إشكال . ووجه بطلان القول المذكور : أن آية
واعلموا أنما غنمتم من شيء الآية ، نزلت بعد وقعة
بدر ، قبل قسم غنيمة
بدر بدليل حديث علي الثابت في " صحيح
مسلم " ، الدال على أن غنائم
بدر خمست ، وآية التخميس التي شرعه الله بها هي هذه ، وأما آية الحشر فهي نازلة في غزوة
بني النضير بإطباق العلماء ، وغزوة
بني النضير بعد غزوة
بدر بإجماع
[ ص: 56 ] المسلمين ، ولا منازعة فيه البتة ، فظهر من هذا عدم صحة قول
قتادة رحمه الله تعالى ، وقد ظهر لك أنه على القول بالفرق بين الغنيمة والفيء لا إشكال في الآيات ، وكذلك على قول من يرى أمر الغنائم والفيء راجعا إلى نظر الإمام ، فلا منافاة على قوله بين آية " الحشر " ، وآية التخميس إذا رآه الإمام ، والله أعلم .