المسألة الثانية : هي تحقيق المقام في
مصارف الخمس الذي يؤخذ من الغنيمة قبل القسمة ; فظاهر الآية الكريمة أنه يجعل ستة أنصباء : نصيب لله جل وعلا ، ونصيب للرسول صلى الله عليه وسلم ، ونصيب لذي القربى ، ونصيب لليتامى ، ونصيب للمساكين ، ونصيب لابن السبيل .
وبهذا قال بعض أهل العلم : قال
أبو جعفر الرازي ، عن
الربيع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11873أبي العالية الرياحي ، قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007630كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالغنيمة فيخمسها على خمسة تكون أربعة أخماس منها لمن شهدها ، ثم يؤخذ الخمس فيضرب بيده فيه ، فيأخذ الذي قبض كفه ، فيجعله للكعبة وهو سهم الله ، ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم ، فيكون سهم للرسول صلى الله عليه وسلم ، وسهم لذي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل .
وعلى هذا القول فنصيب الله جل وعلا يجعل للكعبة ، ولا يخفى ضعف هذا القول لعدم الدليل عليه .
وقال بعض من قال بهذا القول : إن نصيب الله جل وعلا يرد على ذوي الحاجة .
والتحقيق أن نصيب الله جل وعلا ، ونصيب الرسول صلى الله عليه وسلم واحد ، وذكر اسمه جل وعلا استفتاح كلام للتعظيم ، وممن قال بهذا القول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، كما نقله عنه
الضحاك . وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14099والحسن بن محمد بن الحنفية ،
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء بن أبي رباح ،
nindex.php?page=showalam&ids=16423وعبد الله بن بريدة ،
وقتادة ،
ومغيرة وغير واحد كما نقله عنهم
ابن كثير .
والدليل على صحة هذا القول ما رواه
البيهقي بإسناد صحيح ، عن
عبد الله بن شقيق ، عن رجل ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007631أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى ، وهو يعرض فرسا ، فقلت : يا رسول الله ما تقول في الغنيمة ؟ فقال : " لله خمسها ، وأربعة أخماسها للجيش " ، قلت : فما أحد أولى به من أحد ؟ قال : " لا ولا السهم تستخرجه من جيبك لست أحق به من أخيك المسلم " ، وهذا دليل واضح على ما ذكرنا .
ويؤيده أيضا ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=241المقدام بن معديكرب الكندي ، أنه جلس مع
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت ،
nindex.php?page=showalam&ids=4وأبي الدرداء ،
والحارث بن معاوية الكندي رضي الله عنهم ، فتذاكروا
[ ص: 60 ] حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء لعبادة : يا
عبادة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007632يا عبادة كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة كذا وكذا في شأن الأخماس ، فقال عبادة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم في غزوة إلى بعير من المغنم ; فلما سلم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتناول وبرة بين أنملتيه ، فقال : " إن هذي من غنائمكم ، وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم الخمس ، والخمس مردود عليكم ، فأدوا الخيط والمخيط وأكبر من ذلك وأصغر ، ولا تغلوا فإن الغلول عار ونار على أصحابه في الدنيا والآخرة ، وجاهدوا الناس في الله القريب والبعيد ، ولا تبالوا في الله لومة لائم ، وأقيموا حدود الله في السفر والحضر ، وجاهدوا في الله ، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة عظيم ينجي الله به من الهم والغم " .
قال
ابن كثير بعد أن ساق حديث
أحمد هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت : هذا حديث حسن عظيم ، ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه ، ولكن روى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد أيضا ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه في قصة الخمس ، والنهي عن الغلول .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=81عمرو بن عبسة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007633أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم إلى بعير من المغنم ، فلما سلم أخذ وبرة من هذا البعير ، ثم قال : " ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذه إلا الخمس ، والخمس مردود عليكم " رواه
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي .
فإذا عرفت أن التحقيق أن
الخمس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، يقسم خمسة أسهم ; لأن اسم الله ذكر للتعظيم وافتتاح الكلام به ، مع أن كل شيء مملوك له جل وعلا ، فاعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصرف نصيبه ، الذي هو خمس الخمس ، في مصالح المسلمين . بدليل قوله في الأحاديث التي ذكرناها آنفا : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007634والخمس مردود عليكم " ، وهو الحق .
ويدل له ما ثبت في الصحيح : من أنه كان يأخذ قوت سنته من فيء
بني النضير ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
وأما بعد وفاته ، وانتقاله إلى الرفيق الأعلى صلوات الله وسلامه عليه ; فإن بعض العلماء يقول بسقوط نصيبه بوفاته .
وممن قال بذلك :
أبو حنيفة رحمه الله ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير .
وزاد
أبو حنيفة سقوط سهم ذوي القربى أيضا بوفاته صلى الله عليه وسلم .
والصحيح أن نصيبه صلى الله عليه وسلم باق ، وأن إمام المسلمين يصرفه فيما كان يصرفه فيه
[ ص: 61 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم من مصالح المسلمين .
وقال بعض العلماء يكون نصيبه صلى الله عليه وسلم لمن يلي الأمر بعده ، وروي عن
أبي بكر ،
وعلي ،
وقتادة ، وجماعة ، قال
ابن كثير : وجاء فيه حديث مرفوع .
قال مقيده عفا الله عنه : والظاهر أن هذا القول راجع في المعنى إلى ما ذكرنا أنه الصحيح ، وأن معنى كونه لمن يلي الأمر بعده ، أنه يصرفه فيما كان يصرفه فيه صلى الله عليه وسلم ، والنبي قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007635الخمس مردود عليكم " وهو واضح كما ترى .
ولا يخفى أن كل الأقوال في
نصيب النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته راجعة إلى شيء واحد ; وهو صرفه في مصالح المسلمين .
وقد كان الخلفاء الراشدون المهديون - رضي الله عنهم - يصرفونه فيما كان يصرفه فيه صلى الله عليه وسلم .
وكان
أبو بكر ،
وعمر رضي الله عنهما يصرفانه في الكراع والسلاح .
وجمهور العلماء على أن نصيب ذوي القربى باق ، ولم يسقط بموته صلى الله عليه وسلم .
واختلف العلماء فيه من ثلاث جهات :
الأولى : هل يسقط بوفاته أو لا ؟
وقد ذكرنا أن الصحيح عدم السقوط ، خلافا لأبي حنيفة .
الثانية : في
المراد بذي القربى .
الثالثة : هل يفضل ذكرهم على أنثاهم أو لا ؟
أما ذوو القربى : فهم
بنو هاشم ،
وبنو المطلب ; على أظهر الأقوال دليلا ، وإليه ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ،
ومجاهد ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج ،
nindex.php?page=showalam&ids=14429ومسلم بن خالد .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه ، في كتاب " فرض الخمس " .
حدثنا
عبد الله بن يوسف ، حدثنا
الليث ، عن
عقيل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=67جبير بن مطعم ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007636مشيت أنا nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلنا : يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا ، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة ، فقال [ ص: 62 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما بنو المطلب ، وبنو هاشم شيء واحد " .
قال
الليث : حدثني
يونس وزاد قال
جبير : ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم
لبني عبد شمس ، ولا
لبني نوفل . اهـ .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أيضا في المغازي : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17320يحيى بن بكير ، حدثنا
الليث ، عن
يونس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=67جبير بن مطعم أخبره ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007637مشيت أنا nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلنا : أعطيت بني المطلب من خمس خيبر ، وتركتنا ، ونحن بمنزلة واحدة منك ، فقال : " إنما بنو هاشم ، وبنو المطلب شيء واحد " ، قال جبير : لم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس ، وبني نوفل شيئا اهـ .
وإيضاح كونهم من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة واحدة : أن
nindex.php?page=showalam&ids=67جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ،
nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان بن عفان بن أبي العاص بن عبد شمس بن عبد مناف .
فأولاد
عبد مناف بن قصي أربعة :
هاشم ، والمطلب ، وعبد شمس .
وهم : أشقاء أمهم :
عاتكة ، بنت مرة بن هلال السلمية ، إحدى عواتك سليم ; اللاتي هن جدات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهن ثلاث :
هذه التي ذكرنا .
والثانية : عمتها ; وهي :
عاتكة بنت هلال التي هي أم عبد مناف .
والثالثة : بنت أخي الأولى ; وهي
عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال ، وهي أم وهب ، والد آمنة ، أم النبي صلى الله عليه وسلم .
ورابع أولاد عبد مناف :
نوفل بن عبد مناف ، وأمه :
واقدة بنت أبي عدي ، واسمه
نوفل بن عبادة بن مازن بن صعصعة .
قال الشيخ
أحمد البدوي الشنقيطي في نظمه عمود النسب : [ الرجز ]
عبد مناف قمر البطحاء
أربعة بنوه هؤلاء
مطلب ، وهاشم ، ونوفل
وعبد شمس ، هاشم لا يجهل
وقال في بيان عواتك سليم اللاتي هن جدات له صلى الله عليه وسلم : [ الرجز ]
عواتك النبي : أم وهب
وأم هاشم ، وأم الندب
عبد مناف ، وذه الأخيره
عمة عمة الأولى الصغيره
[ ص: 63 ] وهن بالترتيب ذا لذي الرجال
الأوقص بن مرة بن هلال
فبهذا الذي بينا يتضح أن الصحيح أن المراد بذي القربى في الآية :
بنو هاشم ،
وبنو المطلب دون
بني عبد شمس ،
وبني نوفل .
ووجهه أن
بني عبد شمس ،
وبني نوفل عادوا الهاشميين ، وظاهروا عليهم
قريشا ، فصاروا كالأباعد منهم ; للعداوة ، وعدم النصرة .
ولذا قال فيهم
أبو طالب ; في لاميته المشهورة : [ الطويل ]
جزى الله عنا عبد شمس ، ونوفلا
عقوبة شر ، عاجل ، غير آجل
بميزان قسط لا يخيس شعيرة
له شاهد من نفسه ، غير عائل
لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا
بني خلف قيضا بنا ، والغياطل
ونحن الصميم من ذؤابة هاشم
وآل قصي في الخطوب الأوائل
بهذا الحديث الصحيح الذي ذكرنا : يتضح عدم صحة قول من قال : بأنهم
بنو هاشم فقط ، وقول من قال : إنهم
قريش كلهم .
وممن قال بأنهم
بنو هاشم فقط :
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ،
nindex.php?page=showalam&ids=68وزيد بن أرقم ،
ومالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
ومجاهد ،
وعلي بن الحسين ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، وغيرهم .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وعبد الرزاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة ،
ومسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
وابن مردويه ،
والبيهقي في سننه : عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أن
نجدة الحروري كتب إليه : يسأله عن ذوي القربى الذين ذكر الله ، فكتب إليه : إنا كنا نرى أنا هم ، فأبى ذلك علينا قومنا ، وقالوا :
قريش كلها ذوو قربى .
وزيادة قوله : وقالوا : "
قريش كلها " تفرد بها
أبو معشر ، وفيه ضعف .
وما قدمنا من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وفعله الثابت في الصحيح : يعين أنهم
بنو هاشم ، والمطلب ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ، وكثير من أهل العلم .
فإذا عرفت أنه صلى الله عليه وسلم قضى بخمس الخمس من غنائم
خيبر لبني هاشم والمطلب ، وأنهم هم ذوو القربى المذكورون في الآية .
فاعلم أن العلماء اختلفوا :
هل يفضل ذكرهم على أنثاهم ، أو يقسم عليهم بالسوية ؟
فذهب بعض العلماء إلى أنه كالميراث ، للذكر مثل حظ الأنثيين ; وهذا هو مذهب
[ ص: 64 ] nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل في أصح الروايتين .
قال صاحب " الإنصاف " : هذا المذهب جزم به
الخرقي ، وصاحب " الهداية " ، و " المذهب " ، و " مسبوك الذهب " ، و " العمدة " ، و " الوجيز " ، وغيرهم ; وقدمه في " الرعايتين " ، و " الحاويين " ، وغيرهم ، وصححه في " البلغة " ، و " النظم " ، وغيرهما .
وعنه : الذكر والأنثى ; سواء . قدمه
ابن رزين في شرحه ; وأطلقهما في " المغني " ، و " الشرح " ، و " المحرر " ، و " الفروع " ، اهـ من " الإنصاف " .
وتفضيل ذكرهم على أنثاهم الذي هو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : هو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أيضا .
وحجة من قال بهذا القول : أنه سهم استحق بقرابة الأب شرعا ; بدليل أن أولاد عماته صلى الله عليه وسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=15كالزبير بن العوام ،
وعبد الله بن أبي أمية ; لم يقسم لهم في خمس الخمس ، وكونه مستحقا بقرابة الأب خاصة يجعله كالميراث ; فيفضل فيه الذكر على الأنثى .
وقال بعض العلماء : ذكرهم وأنثاهم سواء .
وممن قال به
المزني :
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ،
وابن المنذر .
قال مقيده عفا الله عنه : وهذا القول أظهر عندي ; لأن تفضيل الذكر على الأنثى يحتاج إلى دليل ، ولم يقم عليه في هذه المسألة دليل ، ولم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه فضل ذكرهم على أنثاهم في خمس الخمس .
والدليل على أنه ليس كالميراث : أن الابن منهم يأخذ نصيبه مع وجود أبيه ، وجده اهـ .
وصغيرهم ، وكبيرهم سواء ; وجمهور العلماء القائلين بنصيب القرابة على أنه يقسم على جميعهم ; ولم يترك منهم أحد خلافا لقوم .
والظاهر شمول غنيهم ، خلافا لمن خصص به فقراءهم ; لأنه صلى الله عليه وسلم لم يخصص به فقراءهم ، بخلاف نصيب اليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل .
فالظاهر أنه يخصص به فقراؤهم ، ولا شيء لأغنيائهم ، فقد بان لك مما تقدم أن مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأحمد رحمهما الله في هذه المسألة : أن سهم الله ، وسهم رسوله صلى الله عليه وسلم واحد ; وأنه بعد وفاته يصرف في مصالح المسلمين ; وأن سهم القرابة
لبني [ ص: 65 ] هاشم ،
وبني المطلب ; للذكر مثل حظ الأنثيين ، وأنه لجميعهم : غنيهم وفقيرهم ، قاتلوا أم لم يقاتلوا ، وأن للذكر منهم مثل حظ الأنثيين ، وأن الأنصباء الثلاثة الباقية لخصوص الفقراء من اليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل .
ومذهب أبي حنيفة : سقوط سهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسهم قرابته بموته ، وأن الخمس يقسم على الثلاثة الباقية : التي هي اليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل .
قال : ويبدأ من الخمس بإصلاح القناطر ، وبناء المساجد ، وأرزاق القضاة ، والجند ، وروي نحو هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أيضا .
ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867الإمام مالك رحمه الله أن أمر خمس الغنيمة موكول إلى نظر الإمام واجتهاده ; فيما يراه مصلحة ، فيأخذ منه من غير تقدير ، ويعطي القرابة باجتهاده ، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين .
قال
القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة التي نحن بصددها : وبقول
مالك هذا : قال الخلفاء الأربعة ، وبه عملوا ، وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007638مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس ، والخمس مردود عليكم " ، فإنه لم يقسمه أخماسا ، ولا أثلاثا ، وإنما ذكر في الآية من ذكر على وجه التنبيه عليهم ; لأنهم من أهم من يدفع إليه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : محتجا
لمالك ، قال الله عز وجل :
يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل [ 2 \ 215 ] .
وللرجل جائز بإجماع العلماء أن ينفق في غير هذه الأصناف ، إذا رأى ذلك ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
عطاء ، قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007639خمس الله ، وخمس رسوله واحد ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل منه ، ويعطي منه ، ويضعه حيث شاء " اهـ من
القرطبي .
وقال
ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة ما نصه : " وقال آخرون : إن الخمس يتصرف فيه الإمام بالمصلحة للمسلمين ، كما يتصرف في مال الفيء .
وقال شيخنا العلامة
ابن تيمية : رحمه الله وهذا قول
مالك ، وأكثر السلف ، وهو أصح الأقوال اهـ من
ابن كثير .
وهذا القول هو رأي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بدليل قوله : باب قول الله تعالى :
فأن لله خمسه وللرسول ، يعني للرسول قسم ذلك .
[ ص: 66 ] وقال رسول الله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007640إنما أنا قاسم ، وخازن ، والله يعطي " ، ثم ساق
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أحاديث الباب ، في كونه صلى الله عليه وسلم قاسما بأمر الله تعالى .
قال مقيده عفا الله عنه : وهذا القول قوي ، وستأتي له أدلة إن شاء الله في المسألة التي بعد هذا ، ولكن أقرب الأقوال للسلامة هو العمل بظاهر الآية ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأحمد رحمهما الله ; لأن الله أمرنا أن نعلم أن خمس ما غنمنا لهذه المصارف المذكورة ، ثم أتبع ذلك بقوله :
إن كنتم آمنتم بالله ، وهو واضح جدا ، كما ترى .
وأما قول بعض أهل البيت ;
كعبد الله بن محمد بن علي ،
وعلي بن الحسين رضي الله عنهما : بأن الخمس كله لهم دون غيرهم ، وأن
المراد باليتامى ، والمساكين : يتاماهم ، ومساكينهم ، وقول من زعم أنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، يكون لقرابة الخليفة الذي يوليه المسلمون ، فلا يخفى ضعفهما ، والله تعالى أعلم .