المسألة الخامسة : في تحقيق المقام
فيما للإمام أن ينفله من الغنيمة ، وسنذكر أقوال العلماء في ذلك ، وأدلتهم ، وما يقتضي الدليل رجحانه .
اعلم أن العلماء اختلفوا في هذه المسألة ، كما أشرنا له في أول هذه السورة الكريمة ، ووعدنا بإيضاحه هنا ، فذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867الإمام مالك - رحمه الله - إلى أن الإمام لا يجوز له أن ينفل أحدا شيئا إلا من الخمس ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ; لأن الأخماس الأربعة ملك للغانمين الموجفين عليها بالخيل والركاب ، هذا مشهور مذهبه ، وعنه قول آخر : أنها من خمس الخمس .
ووجه هذا القول : أن أخماس الخمس الأربعة ، غير خمس الرسول صلى الله عليه وسلم لمصارف معينة في قوله :
ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، وأربعة الأخماس الباقية ملك للغانمين .
وأصح الأقوال عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أن الإمام لا ينفل إلا من خمس الخمس ، ودليله : ما ذكرنا آنفا .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب أنه قال : لا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " : ولعله يحتج بقوله تعالى :
يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول [ ص: 80 ]
وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في طائفة من أهل العلم : إلى أن للإمام أن ينفل الربع بعد الخمس في بدأته ، والثلث بعد الخمس في رجعته .
ومذهب
أبي حنيفة . أن للإمام قبل إحراز الغنيمة أن ينفل الربع ، أو الثلث ، أو أكثر ، أو أقل بعد الخمس ، وبعد إحراز الغنيمة لا يجوز له التنفيل إلا من الخمس .
وقد قدمنا جملة الخلاف في هذه المسألة في أول هذه السورة الكريمة ، ونحن الآن نذكر إن شاء الله ما يقتضي الدليل رجحانه .
اعلم أولا : أن التنفيل الذي اقتضى الدليل جوازه أقسام :
الأول : أن يقول الإمام لطائفة من الجيش : إن غنمتم من الكفار شيئا ، فلكم منه كذا بعد إخراج خمسه ، فهذا جائز ، وله أن ينفلهم في حالة إقبال جيش المسلمين إلى الكفار الربع ، وفي حالة رجوع جيش المسلمين إلى أوطانهم الثلث بعد إخراج الخمس .
ومالك وأصحابه يقولون : إن هذا لا يجوز ; لأنه تسبب في إفساد نيات المجاهدين ; لأنهم يصيرون مقاتلين من أجل المال الذي وعدهم الإمام تنفيله .
والدليل على جواز ذلك : ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=200حبيب بن مسلمة بن مالك القرشي الفهري : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007661أن النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع بعد الخمس في بدأته ، ونفل الثلث بعد الخمس في رجعته " ، أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، وصححه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان ،
والحاكم ،
nindex.php?page=showalam&ids=12644وابن الجارود .
واعلم أن التحقيق في حبيب المذكور : أنه صحابي ، وقال فيه
ابن حجر في " التقريب " : مختلف في صحبته ، والراجح ثبوتها لكنه كان صغيرا ، وله ذكر في " الصحيح " ، في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مع
معاوية اهـ .
وقد روى عنه
أبو داود هذا الحديث من ثلاثة أوجه :
منها : عن
مكحول بن عبد الله الشامي ، قال : كنت عبدا
بمصر لامرأة من
بني هذيل ، فأعتقتني فما خرجت من
مصر وبها علم إلا حويت عليه ، فيما أرى ، ثم أتيت الحجاز ، فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى ، ثم أتيت
العراق فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى ، ثم أتيت
الشام فغربلتها ، كل ذلك : أسأل عن النفل فلم أجد أحدا يخبرني فيه بشيء ، حتى لقيت شيخا يقال له :
زياد بن [ ص: 81 ] جارية التميمي ، فقلت له : هل سمعت في النفل شيئا ؟ قال : نعم ، سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=200حبيب بن مسلمة الفهري يقول : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة ، والثلث في الرجعة اهـ .
وقد علمت أن الصحيح أنه صحابي ، وقد صرح في هذه الرواية بأنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع إلى آخر الحديث .
ومما يدل على ذلك أيضا : ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت رضي الله عنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007662أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البدأة الربع ، وفي الرجعة الثلث " أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، وصححه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان .
وفي رواية عند
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007663كان إذا غاب في أرض العدو نفل الربع ، وإذا أقبل راجعا وكل الناس نفل الثلث ، وكان يكره الأنفال ، ويقول : ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم .
وهذه النصوص تدل على ثبوت
التنفيل من غير الخمس .
ويدل لذلك أيضا : ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ،
وأبو داود ، عن
معن بن يزيد ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007664لا نفل إلا بعد الخمس " ، قال
الشوكاني : في " نيل الأوطار " : هذا الحديث صححه الطحاوي اهـ .
والفرق بين البدأة والرجعة : أن المسلمين في البدأة : متوجهون إلى بلاد العدو ، والعدو في غفلة ، وأما في الرجعة : فالمسلمون راجعون إلى أوطانهم من أرض العدو ، والعدو في حذر ويقظة ، وبين الأمرين فرق ظاهر .
والأحاديث المذكورة تدل على أن
السرية من العسكر إذا خرجت ، فغنمت ، أن سائر الجيش شركاؤهم ، ولا خلاف في ذلك بين العلماء ، كما قاله
القرطبي .
الثاني : من الأقسام التي اقتضى الدليل جوازها :
تنفيل بعض الجيش ، لشدة بأسه ، وعنائه ، وتحمله ما لم يتحمله غيره ، والدليل على ذلك ما ثبت في " صحيح مسلم " ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ،
وأبو داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع رضي الله عنه ، في قصة إغارة
عبد الرحمن الفزاري ، على سرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستنقاذه منه ، قال
سلمة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007665فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير فرساننا اليوم ، أبو قتادة ، وخير رجالتنا سلمة " ، قال : ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين : سهم الفارس ، وسهم الراجل فجمعهما لي [ ص: 82 ] جميعا ، الحديث . هذا لفظ
مسلم في صحيحه من حديث طويل .
وقد قدمنا أن هذه غزوة " ذي قرد " في سورة " النساء " ، ويدل لهذا أيضا : حديث
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص المتقدم في أول السورة ، فإن فيه : أن سعدا رضي الله عنه قال : لعله يعطي هذا السيف لرجل لم يبل بلائي ، ثم أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم لسعد رضي الله عنه لحسن بلائه وقتله صاحب السيف كما تقدم .
الثالث : من أقسام التنفيل التي اقتضى الدليل جوازها : أن يقول الإمام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007666من قتل قتيلا فله سلبه " .
ومن الأدلة على ذلك : ما رواه الشيخان في صحيحيهما ، عن
أبي قتادة رضي الله عنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007667خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة ، قال : فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين ، فاستدرت إليه حتى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقه ، وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ، ثم أدركه الموت فأرسلني ، فلحقت nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، فقال : ما للناس ؟ فقلت : أمر الله ، ثم إن الناس رجعوا ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه " ، قال : فقمت ، ثم قلت : من يشهد لي ؟ ثم جلست ، ثم قال مثل ذلك ، قال : فقمت ، فقلت : من يشهد لي ؟ ، ثم جلست ، ثم قال ذلك الثالثة ، فقمت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما لك يا أبا قتادة ؟ " فقصصت عليه القصة ، فقال رجل من القوم ، صدق يا رسول الله سلب ذلك القتيل عندي ; فأرضه من حقه ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق رضي الله عنه : لا ها الله إذن لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله ، فيعطيك سلبه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق فأعطه إياه " ، فأعطاني ، قال : فبعت الدرع فابتعت بها مخرفا في بني سلمة ، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام . والأحاديث بذلك كثيرة .
وروى
أبو داود ،
وأحمد ، عن
أنس : أن
أبا طلحة يوم
حنين قتل عشرين رجلا ، وأخذ أسلابهم ، وفي رواية عنه عند
أحمد ، أحدا وعشرين ، وذكر أصحاب المغازي : أن
أبا طلحة قال في قتله من ذكر : [ الرجز ]
أنا أبو طلحة واسمي زيد
وكل يوم في سلاحي صيد
والحق أنه لا يشترط في ذلك أن يكون في مبارزة ، ولا أن يكون الكافر المقتول
[ ص: 83 ] مقبلا .
أما الدليل على عدم
اشتراط المبارزة : فحديث
أبي قتادة هذا المتفق عليه .
وأما الدليل على عدم اشتراط كونه قتله مقبلا إليه : فحديث
nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007668غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن ، فبينا نحن نتضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه ، ثم انتزع طلقا من حقوه فقيد به الجمل ، ثم تقدم يتغدى مع القوم ، وجعل ينظر ، وفينا ضعفة ورقة في الظهر ، وبعضنا مشاة إذ خرج يشتد فأتى جمله ، فأطلق قيده ثم أناخه ، وقعد عليه فأثاره فاشتد به الجمل ، فاتبعه رجل على ناقة ورقاء ، قال سلمة : وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة ، ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل ، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته ، فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي ، فضربت به رأس الرجل فندر ، ثم جئت بالجمل أقوده وعليه رحله وسلاحه ، فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والناس معه ، فقال : " من قتل الرجل ؟ " ، قالوا : nindex.php?page=showalam&ids=119ابن الأكوع ، قال : " له سلبه أجمع " ، متفق عليه ، واللفظ المذكور
لمسلم في " كتاب الجهاد والسير " في باب : " استحقاق القاتل سلب القتيل " ، وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بمعناه " في كتاب الجهاد " في باب : " الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان " وهو صريح في عدم اشتراط المبارزة ، وعدم اشتراط قتله مقبلا لا مدبرا كما ترى .
ولا يستحق القاتل سلب المقتول ، إلا أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتالهم .
فأما إن قتل امرأة ، أو صبيا ، أو شيخا فانيا ، أو ضعيفا مهينا ، أو مثخنا بالجراح لم تبق فيه منفعة ، فليس له سلبه .
ولا خلاف بين العلماء : في أن
من قتل صبيا ، أو امرأة ، أو شيخا فانيا ، لا يستحق سلبهم ، إلا قولا ضعيفا جدا يروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور ،
وابن المنذر : في استحقاق سلب المرأة .
والدليل على أن من قتل مثخنا بالجراح لا يستحق سلبه ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ، هو الذي ذفف على
أبي جهل يوم
بدر ، وحز رأسه ، وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم بسلبه
nindex.php?page=showalam&ids=151لمعاذ بن عمرو بن الجموح الذي أثبته ، ولم يعط
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود شيئا .
وهذا هو الحق الذي جاء به الحديث المتفق عليه ، فلا يعارض بما رواه الإمام
[ ص: 84 ] أحمد ،
وأبو داود nindex.php?page=hadith&LINKID=1007669عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفله سيف أبي جهل يوم بدر " ; لأنه من رواية ابنه
أبي عبيدة ، ولم يسمع منه ، وكذلك المقدم للقتل صبرا لا يستحق قاتله سلبه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، أمر بقتل
النضر بن الحارث العبدري ،
وعقبة بن أبي معيط الأموي صبرا يوم
بدر ولم يعط من قتلهما شيئا من سلبهما .
واختلفوا فيمن أسر أسيرا : هل يستحق سلبه إلحاقا للأسر بالقتل أو لا ؟ والظاهر أنه لا يستحقه ، لعدم الدليل ، فيجب استصحاب عموم
واعلموا أنما غنمتم الآية ، حتى يرد مخصص من كتاب أو سنة صحيحة ، وقد أسر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، أسارى
بدر ، وقتل بعضهم صبرا كما ذكرنا ، ولم يعط أحدا من الذين أسروهم شيئا من أسلابهم ، ولا من فدائهم بل جعل فداءهم غنيمة .
أما إذا قاتلت المرأة أو الصبي المسلمين : فالظاهر أن لمن قتل أحدهما سلبه ; لأنه حينئذ ممن يجوز قتله ، فيدخل في عموم " من قتل قتيلا " الحديث ، وبهذا جزم غير واحد ، والعلم عند الله تعالى .
واعلم أن العلماء اختلفوا في
استحقاق القاتل السلب ، هل يشترط فيه قول الإمام : " من قتل قتيلا فله سلبه " أو يستحقه مطلقا ، قال الإمام ذلك أو لم يقله ؟
وممن قال بهذا الأخير :
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ،
والليث ،
وإسحاق ،
وأبو عبيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري ،
وابن المنذر .
وممن قال بالأول : الذي هو أنه لا يستحقه إلا بقول الإمام : " من قتل قتيلا " إلخ ، الإمام
أبو حنيفة ،
ومالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري .
وقد قدمنا عن
مالك وأصحابه : أن قول الإمام ذلك : لا يجوز قبل القتال ، لئلا يؤدي إلى فساد النية ، ولكن بعد وقوع الواقع ، يقول الإمام : من قتل قتيلا . . . إلخ .
واحتج من قال : باستحقاق القاتل سلب المقتول مطلقا بعموم الأدلة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بأن من قتل قتيلا فله سلبه ، ولم يخصص بشيء ، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب ، كما علم في الأصول .
واحتج
مالك ،
وأبو حنيفة ، ومن وافقهما بأدلة :
منها : قوله صلى الله عليه وسلم في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع ، المتفق عليه السابق ذكره ، له سلبه
[ ص: 85 ] أجمع ، قالوا : فلو كان السلب مستحقا له بمجرد قتله لما احتاج إلى تكرير هذا القول .
ومنها : حديث
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف ، المتفق عليه في قصة قتل
nindex.php?page=showalam&ids=151معاذ بن عمرو بن الجموح ،
nindex.php?page=showalam&ids=178ومعاذ بن عفراء الأنصاريين
لأبي جهل يوم
بدر ، فإن فيه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007670ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبراه ، فقال : " أيكما قتله ؟ ! " ، فقال كل واحد منهما : أنا قتلته ، فقال : " هل مسحتما سيفيكما ؟ " قالا : لا ، فنظر في السيفين ، فقال : " كلاكما قتله " ، وقضى بسلبه nindex.php?page=showalam&ids=151لمعاذ بن عمرو بن الجموح اهـ .
قالوا : فتصريحه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ، المتفق عليه ، بأن كليهما قتله ، ثم تخصيص أحدهما بسلبه ، دون الآخر ، صريح في أن القاتل لا يستحق السلب ، إلا بقول الإمام : إنه له ، إذ لو كان استحقاقه له بمجرد القتل لما كان لمنع
nindex.php?page=showalam&ids=178معاذ بن عفراء وجه ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بأنه قتله مع
nindex.php?page=showalam&ids=151معاذ بن عمرو ، ولجعله بينهما .
ومنها : ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ،
ومسلم ،
وأبو داود ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007671قتل رجل من حمير ، رجلا من العدو ، فأراد سلبه ، فمنعه nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد ، وكان واليا عليهم ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك فأخبره . فقال لخالد : " ما منعك أن تعطيه سلبه ؟ " ، قال : استكثرته يا رسول الله ، قال : " ادفعه إليه " ، فمر خالد بعوف فجر بردائه ، ثم قال : هل أنجزت ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فاستغضب ، فقال : لا تعطه يا خالد ، لا تعطه يا خالد ، هل أنتم تاركون لي أمرائي ، إنما مثلكم ومثلهم ، كمثل رجل استرعى إبلا ، أو غنما فرعاها ، ثم تحين سقيها فأوردها حوضا فشرعت فيه ، فشربت صفوه ، وتركت كدره ، فصفوه لكم وكدره عليهم .
وفي رواية عند
مسلم أيضا : عن
nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك الأشجعي ، قال : خرجت مع من خرج مع
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة ، في غزوة
مؤتة ، ورافقني مددي من
اليمن ، وساق الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، غير أنه قال في الحديث : قال
nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك : فقلت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007672يا خالد ، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ، قال بلى ، ولكني استكثرته ، هذا لفظ
مسلم في صحيحه .
وفي رواية عن
عوف أيضا ، عند
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وأبي داود قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007673خرجت مع nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة في غزوة مؤتة ، ورافقني مددي من أهل اليمن ، ومضينا فلقينا جموع الروم ، وفيهم رجل على فرس له ، أشقر ، عليه سرج مذهب ، وسلاح مذهب ، فجعل الرومي يفري في [ ص: 86 ] المسلمين ، فقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه ، فخر وعلاه فقتله . وحاز فرسه وسلاحه ، فلما فتح الله عز وجل للمسلمين بعث إليه nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد ، فأخذ السلب ، قال عوف : فأتيته ، فقلت : يا خالد ، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ، قال : بلى ، ولكن استكثرته ، قلت : لتردنه إليه ، أو لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبى أن يرد عليه ، قال عوف : فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقصصت عليه قصة المددي ، وما فعل خالد ، وذكر بقية الحديث بمعنى ما تقدم اهـ .
فقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007674لا تعطه يا خالد " دليل على أنه لم يستحق السلب بمجرد القتل ، إذ لو استحقه به ، لما منعه منه النبي صلى الله عليه وسلم .
ومنها : ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ، قال : حدثنا
أبو الأحوص ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13705الأسود بن قيس ، عن
بشر بن علقمة ، قال : بارزت رجلا يوم
القادسية ، فقتلته ، وأخذت سلبه ، فأتيت سعدا ، فخطب سعد أصحابه ، ثم قال : هذا سلب
بشر بن علقمة فهو خير من اثني عشر ألف درهم ، وإنا قد نفلناه إياه .
فلو كان السلب للقاتل قضاء من النبي صلى الله عليه وسلم ، لما أضاف الأمراء ذلك التنفيل إلى أنفسهم باجتهادهم ، ولأخذه القاتل دون أمرهم ، قاله
القرطبي .
قال مقيده عفا الله عنه : أظهر القولين عندي دليلا ، أن القاتل لا يستحق السلب إلا بإعطاء الإمام ; لهذه الأدلة الصحيحة ، التي ذكرنا فإن قيل : هي شاهدة لقول
إسحاق : إن كان السلب يسيرا فهو للقاتل ، وإن كان كثيرا خمس .
فالجواب : أن ظاهرها العموم مع أن سلب
أبي جهل لم يكن فيه كثرة زائدة ، وقد منع منه النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=178معاذ بن عفراء .