تنبيه
جعل بعض العلماء منشأ الخلاف في
سلب القاتل ، هل يحتاج إلى تنفيذ الإمام أو لا ؟ هو الاختلاف في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من قتل قتيلا " الحديث ، هل هو حكم ؟ وعليه فلا يعم بل يحتاج دائما إلى تنفيذ الإمام ، أو هو فتوى ؟ فيكون حكما عاما غير محتاج إلى تنفيذ الإمام .
قال صاحب " نشر البنود شرح مراقي السعود " في شرح قوله : [ الرجز ]
[ ص: 87 ] وسائر حكاية الفعل بما
منه العموم ظاهرا قد علما
ما نصه : تنبيه : حكى
ابن رشيد خلافا بين العلماء ، في قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007675من قتل قتيلا له عليه بينة ، فله سلبه " ، هل يحتاج سلب القتيل إلى تنفيذ الإمام ، بناء على أن الحديث حكم فلا يعم ، أو لا يحتاج إليه بناء على أنه فتوى ؟ وكذا قوله لهند : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007676خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " فيه خلاف ، هل هو حكم فلا يعم ، أو فتوى فيعم .
قال
ميارة في " التكميل " : [ الرجز ]
وفي حديث هند الخلاف : هل
حكم يخصها أو افتاء شمل
واعلم أن العلماء اختلفوا في
السلب ، هل يخمس أو لا ؟ على ثلاثة أقوال :
الأول : لا يخمس .
الثاني : يخمس .
الثالث : إن كان كثيرا خمس ، وإلا فلا .
وممن قال : إنه لا يخمس :
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأحمد ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، ويروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص .
وممن روي عنه أنه يخمس :
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ،
ومكحول .
وممن فرق بين القليل والكثير : إسحاق ، واحتج من قال : لا يخمس بما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=22وخالد بن الوليد رضي الله عنهما ; أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب .
وقال
القرطبي في " تفسيره " ، بعد أن ساق حديث
nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك الذي قدمنا عند مسلم ما نصه : " وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13855أبو بكر البرقاني بإسناده ، الذي أخرجه به
مسلم ، وزاد بيانا أن
nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007677إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يخمس السلب " اهـ .
وقال
ابن حجر في " التلخيص " في حديث خالد وعوف المتقدم ، ما لفظه : " وهو ثابت في " صحيح مسلم " في حديث طويل فيه قصة لعوف مع
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد ، وتعقبه
الشوكاني في " نيل الأوطار " بما نصه : وفيه نظر ؛ فإن هذا اللفظ الذي هو محل الحجة لم يكن في صحيح مسلم ، بل الذي فيه هو ما سيأتي قريبا ، وفي إسناد هذا الحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12434إسماعيل بن عياش ، وفيه كلام معروف قد تقدم ذكره مرارا " ، اهـ .
[ ص: 88 ] قال مقيده عفا الله عنه : وقد قدمنا حديث عوف المذكور بلفظ مسلم في صحيحه ، وليس فيه ما ذكره
الحافظ بن حجر ، فهو وهم منه ، كما نبه عليه
الشوكاني رحمهما الله تعالى .
والتحقيق في
nindex.php?page=showalam&ids=12434إسماعيل بن عياش أن روايته عن غير الشاميين ضعيفة ، وهو قوي في الشاميين ، دون غيرهم .
قال مقيده عفا الله عنه : وهذا الحديث من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12434إسماعيل بن عياش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16230صفوان بن عمرو ، عن
عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك ،
وإسماعيل ، وشيخه في هذا الحديث ، الذي هو
nindex.php?page=showalam&ids=16230صفوان بن عمرو ، كلاهما حمصي ، فهو بلدي له :
وبه تعلم صحة الاحتجاج بالحديث المذكور ، مع قوة شاهده ، الذي قدمنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=13855أبي بكر البرقاني ، بسند على شرط
مسلم .
واحتج من قال بأن السلب يخمس : بعموم قوله تعالى :
واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه الآية .
واحتج من قال : يخمس الكثير دون اليسير : بما رواه
أنس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=70البراء بن مالك أنه قتل من المشركين مائة رجل ، إلا رجلا مبارزة ، وأنهم لما غزوا الزارة ، خرج دهقان الزارة ، فقال : رجل ورجل ، فبرز
البراء فاختلفا بسيفيهما ، ثم اعتنقا فتوركه
البراء فقعد على كبده ، ثم أخذ السيف فذبحه ، وأخذ سلاحه ومنطقته ، وأتى به
عمر ، فنفله السلاح ، وقوم المنطقة بثلاثين ألفا ، فخمسها ، وقال : إنها مال . اهـ بنقل
القرطبي .
وقال قبل هذا : وفعله
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب مع
nindex.php?page=showalam&ids=70البراء بن مالك ، حين بارز " المرزبان " فقتله ، فكانت قيمة منطقته ، وسواريه ثلاثين ألفا ، فخمس ذلك اهـ .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " : وقال
إسحاق : إن استكثر الإمام السلب ، فذلك إليه ، لما روى
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين أن
nindex.php?page=showalam&ids=70البراء بن مالك بارز "
مرزبان " الزارة
بالبحرين فطعنه ، فدق صلبه ، وأخذ سواريه ، وسلبه ، فلما صلى
عمر الظهر أتى
أبا طلحة في داره ، فقال : إنا كنا لا نخمس السلب ، وإن سلب البراء قد بلغ مالا ، وأنا خامسه ، فكان أول سلب خمس في الإسلام سلب البراء ، رواه سعيد في السنن .
وفيها أن سلب البراء بلغ ثلاثين ألفا .
[ ص: 89 ] قال مقيده عفا الله عنه : أظهر الأقوال دليلا عندي أن السلب لا يخمس لحديث عوف وخالد المتقدم ، ويجاب عن أخذ الخمس من سلب
nindex.php?page=showalam&ids=70البراء بن مالك ، بأن الذي تدل عليه القصة أن السلب لا يخمس ; لأن قول
عمر : إنا كنا لا نخمس السلب ، وقول الراوي كان أول سلب خمس في الإسلام : يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ،
وأبا بكر ،
وعمر صدرا من خلافته لم يخمسوا سلبا ، واتباع ذلك أولى .
قال
الجوزجاني : لا أظنه يجوز لأحد في شيء سبق فيه من الرسول صلى الله عليه وسلم شيء إلا اتباعه ، ولا حجة في قول أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " ، والأدلة التي ذكرنا يخصص بها عموم قوله تعالى :
واعلموا أنما غنمتم الآية [ 8 \ 41 ] .
واختلف العلماء فيما إذا
ادعى أنه قتله ، ولم يقم على ذلك بينة ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : يعطاه بمجرد دعواه ، وجمهور العلماء على أنه لا بد من بينة على أنه قتله ، قال مقيده عفا الله عنه : لا ينبغي أن يختلف في
اشتراط البينة لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007678من قتل قتيلا له عليه بينة " الحديث ، فهو يدل بإيضاح على أنه لا بد من البينة ، فإن قيل : فأين البينة التي أعطى بها النبي صلى الله عليه وسلم
أبا قتادة سلب قتيله السابق ذكره .
فالجواب من وجهين : الأول : ما ذكره
القرطبي في " تفسيره " ، قال : سمعت شيخنا الحافظ
المنذري الشافعي أبا محمد عبد العظيم ، يقول : إنما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة
الأسود بن خزاعي ،
وعبد الله بن أنيس ، وعلى هذا يندفع النزاع ، ويزول الإشكال ، ويطرد الحكم . اهـ .
الثاني : أنه أعطاه إياه بشهادة الرجل الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007679صدق ، سلب ذلك القتيل عندي " ، الحديث ، فإن قوله " صدق " شهادة صريحة
لأبي قتادة أنه هو الذي قتله ، والاكتفاء بواحد في باب الخبر ، والأمور التي لم يقع فيها ترافع قال به كثير من العلماء ، وعقده
ابن عاصم المالكي في تحفته بقوله : [ الرجز ]
وواحد يجزئ في باب الخبر
واثنان أولى عند كل ذي نظر
وقال
القرطبي في " تفسيره " :
إن أكثر العلماء على إجزاء شهادة واحد ، وقيل : يثبت ذلك بشاهد ويمين ، والله أعلم .
وأما على قول من قال : إن السلب موكول إلى نظر الإمام ، فللإمام أن يعطيه إياه ،
[ ص: 90 ] ولو لم تقم بينة ، وإن اشترطها فذلك له ، قاله
القرطبي ، والظاهر عندي أنه لا بد من بينة لورود النص الصحيح بذلك .
واختلف العلماء في السلب ما هو ؟
قال مقيده عفا الله عنه : لهذه المسألة طرفان ، وواسطة :
طرف أجمع العلماء على أنه من السلب : وهو سلاحه ، كسيفه ، ودرعه ، ونحو ذلك ، وكذلك ثيابه .
وطرف أجمع العلماء على أنه ليس من السلب : وهو ما لو وجد في هميانه ، أو منطقته دنانير . أو جواهر ، أو نحو ذلك .
وواسطة اختلف العلماء فيها : منها فرسه الذي مات وهو يقاتل عليه ، ففيه للعلماء قولان : وهما روايتان عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، أصحهما أنه منه ، ومنها ما يتزين به للحرب ، فقال الأوزاعي : ذلك كله من السلب ، وقالت : فرقة ليس منه ، وهذا مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون إلا المنطقة ، فإنها عنده من السلب ، وقال
ابن حبيب في الواضحة ، والسواران من السلب ، والله أعلم .
واعلم أن حديث
عبد الله بن عمر المتفق عليه
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007680أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية قبل نجد ، وفيهم nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وأن سهمانهم بلغت اثني عشر بعيرا ، ونفلوا بعيرا بعيرا - دليل واضح على بطلان قول من قال : " لا تنفيل إلا من خمس الخمس " ; لأن الحديث صريح في أنه نفلهم نصف السدس .
ولا شك أن نصف السدس أكثر من خمس الخمس ، فكيف يصح تنفيل الأكثر من الأقل ، وهو واضح كما ترى ، وأما غير ذلك من الأقوال ، فالحديث محتمل له .
والذي يسبق إلى الذهن ، أن ما ثبت في " صحيح مسلم " من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر بلفظ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007681أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش ، والخمس في ذلك واجب كله اهـ .
يدل على أن ذلك التنفيل من الغنيمة بعد إخراج الخمس ، وهو ما دل عليه حديث
حبيب بن سلمة المتقدم ، وهو الظاهر المتبادر خلافا لما قاله
ابن حجر في " الفتح " من أنه محتمل لكل الأقوال المذكورة ، والله تعالى أعلم . \