[ ص: 91 ] المسألة السادسة : الحق الذي لا شك فيه أن
الفارس يعطى من الغنيمة ثلاثة أسهم : سهمان لفرسه ، وسهم لنفسه ، وأن الراجل يعطى سهما واحدا ، والنصوص الصحيحة مصرحة بذلك ، فمن ذلك حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر المتفق عليه ، ولفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007682أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : جعل للفرس سهمين ، ولصاحبه سهما " .
ولفظ
مسلم ، حدثنا
نافع عن
عبد الله بن عمر ، "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007683أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم في النفل للفرس سهمين ، وللرجل سهما " اهـ .
وأكثر الروايات بلفظ : " وللرجل " ، فرواية الشيخين صريحة فيما ذكرنا ، وبذلك فسره راويه
نافع ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " صحيحه " في غزوة
خيبر : قال : فسره
نافع ، فقال : إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم ، فإن لم يكن له فرس فله سهم اهـ . وذلك هو معناه الذي لا يحتمل غيره في رواية الصحيحين المذكورة .
ومنها ما رواه
أبو داود ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، حدثنا
أبو معاوية ، حدثنا
عبيد الله ، عن
نافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007684أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم : سهما له ، وسهمين لفرسه " .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، ثنا
أبو معاوية ، ثنا
عبد الله بن يزيد ، حدثني
المسعودي ، حدثني
أبو عمرة عن أبيه ، قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007685أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة نفر ، ومعنا فرس ، فأعطى كل واحد منا سهما ، وأعطى الفرس سهمين " .
وممن قال بهذا الأئمة الثلاثة :
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأحمد ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
ومجاهد ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين ،
nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
والليث ،
وحسين بن ثابت ،
وأبي يوسف ،
ومحمد ،
وإسحاق ،
وأبي عبيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور .
وخالف
أبو حنيفة - رحمه الله - الجمهور ، فقال : للفارس سهمان ، وللراجل سهم ; محتجا بما جاء في بعض الروايات : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007686أنه صلى الله عليه وسلم ، قسم يوم خيبر للفارس سهمين ، وللراجل سهما " رواه
أبو داود من حديث
مجمع بن جارية الأنصاري رضي الله عنه ، وكان أحد القراء الذين قرؤوا القرآن ، ويجاب عنه من وجهين :
الأول : أن المراد بسهمي الفارس خصوص السهمين اللذين استحقهما بفرسه ، كما يشعر به لفظ الفارس .
[ ص: 92 ] الثاني : أن النصوص المتقدمة أصح منه ، وأولى بالتقديم ، وقد قال
أبو داود : حديث
أبي معاوية أصح ، والعمل عليه ، وأرى الوهم في حديث مجمع أنه قال : ثلاثمائة فارس ، وكانوا مائتي فارس اهـ .
وقال
النووي في " شرح
مسلم " : لم يقل بقول
أبي حنيفة هذا أحد ، إلا ما روي عن
علي ،
وأبي موسى اهـ .
وإن كان عند بعض الغزاة خيل فلا يسهم إلا لفرس واحد ، وهذا مذهب الجمهور منهم
مالك ،
وأبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
والحسن ،
ومحمد بن الحسن ، وغيرهم .
واحتجوا بأنه لا يمكنه أن يقاتل إلا على فرس واحد ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
والليث ، وأبو يوسف : يسهم لفرسين دون ما زاد عليهما ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، ويروى عن
الحسن ،
ومكحول ،
ويحيى الأنصاري ،
وابن وهب ، وغيره من المالكيين .
واحتج أهل هذا القول بما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : "
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسهم للخيل ، وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين وإن كان معه عشرة أفراس " ، وبما روي عن
أزهر بن عبد الله أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب كتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=5أبي عبيدة بن الجراح ، أن يسهم للفرس من سهمين ، وللفرسين أربعة أسهم ، ولصاحبهما سهم ، فذلك خمسة أسهم ، وما كان فوق الفرسين فهي جنائب ، رواهما
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " .
واحتجوا أيضا بأنه محتاج إلى الفرس الثاني ; لأن إدامة ركوب واحد تضعفه ، وتمنع القتال عليه فيسهم للثاني ; لأنه محتاج إليه كالأول ، بخلاف الثالث فإنه مستغن عنه ، ولم يقل أحد إنه يسهم لأكثر من فرسين ، إلا شيئا روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16047سليمان بن موسى ، قاله
النووي في " شرح
مسلم " ، وغيره .
واختلف العلماء في
البراذين والهجن على أربعة أقوال :
الأول : أنها يسهم لها كسهم الخيل العراب ، وممن قال به
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، ونسبه
الزرقاني في " شرح الموطأ " للجمهور ، واختاره الخلال ، وقال : رواه ثلاثة متيقظون عن
أحمد ، وحجة هذا القول ما ذكره
مالك في الموطأ ، قال : لا أرى البراذين والهجن ، إلا من الخيل ; لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه :
والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة [ 16 \ 8 ] .
وقال عز وجل :
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم [ 8 \ 60 ]
[ ص: 93 ] فأنا أرى
البراذين والهجن من الخيل إذا أجازها الوالي .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، وسئل عن
البراذين : هل فيها من صدقة ؟ قال : وهل في الخيل من صدقة ؟ اهـ .
وحاصل هذا الاستدلال أن اسم الخيل في الآيتين المذكورتين يشمل البراذين والهجن فهما داخلان في عمومه ; لأنهما ليسا في البغال ولا الحمير بل من الخيل .
القول الثاني : أنه يسهم للبرذون والهجين سهم واحد قدر نصف سهم الفرس ، واحتج أهل هذا القول بما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في " الأم "
nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16597علي بن الأقمر الوادعي ، قال : أغارت الخيل فأدركت العراب ، وتأخرت البراذين ، فقام
ابن المنذر الوادعي ، فقال : لا أجعل ما أدرك كما لم يدرك ، فبلغ ذلك
عمر فقال : هبلت
الوادعي أمه لقد أذكرت به ! أمضوها على ما قال ، فكان أول من أسهم للبراذين دون سهام العراب ، وفي ذلك يقول شاعرهم : [ الطويل ]
ومنا الذي قد سن في الخيل سنة وكانت سواء قبل ذاك سهامها
وهذا منقطع كما ترى .
واحتجوا أيضا بما رواه
أبو داود في المراسيل ،
nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور ، عن
مكحول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007688أن النبي صلى الله عليه وسلم هجن الهجين يوم خيبر ، وعرب العربي ، فجعل للعربي سهمين ، وللهجين سهما " ، وهو منقطع أيضا كما ترى ، وبه أخذ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في أشهر الروايات عنه .
واحتجوا أيضا بأن أثر الخيل العراب في الحرب أفضل من أثر البراذين وذلك يقتضي تفضيلها عليها في السهام .
القول الثالث : التفصيل بين ما يدرك من البراذين إدراك العراب ، فيسهم له كسهامها ، وبين ما لا يدرك إدراكها فلا يسهم له ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
وابن أبي خيثمة ،
وأبو أيوب ،
والجوزجاني .
ووجهه أنها من الخيل ، وقد عملت عملها فوجب جعلها منها .
القول الرابع : لا يسهم لها مطلقا ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16868مالك بن عبد الله الخثعمي ووجهه أنها حيوان لا يعمل عمل الخيل فأشبه البغال .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " : ويحتمل أن تكون هذه الرواية فيما لا يقارب العتاق
[ ص: 94 ] منها ، لما روى
الجوزجاني بإسناده عن
أبي موسى ، أنه كتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : إنا وجدنا
بالعراق خيلا عراضا دكنا ، فما ترى يا أمير المؤمنين في سهمانها ، فكتب إليه : تلك البراذين فما قارب العتاق منها ، فاجعل له سهما واحدا ، وألغ ما سوى ذلك . اهـ .
والبراذين : جمع برذون ، بكسر الموحدة وسكون الراء وفتح المعجمة ، والمراد : الجفاة الخلقة من الخيل ، وأكثر ما تجلب من
بلاد الروم ، ولها جلد على السير في الشعاب والجبال والوعر بخلاف الخيل العربية .
والهجين : هو ما أحد أبويه عربي ، وقيل : هو الذي أبوه عربي ، وأما الذي أمه عربية فيسمى المقرف ، وعن
أحمد : الهجين البرذون ، ويحتمل أنه أراد في الحكم .
ومن إطلاق الإقراف على كون الأم عربية قول
هند بنت النعمان بن بشير : [ الطويل ]
وما هند إلا مهرة عربية سليلة أفراس تحللها بغل
فإن ولدت مهرا كريما فبالحرى وإن يك إقراف فما أنجب الفحل
وقول
جرير : [ الوافر ]
إذا آباؤنا وأبوك عدوا أبان المقرفات من العراب واختلف العلماء فيمن
غزا على بعير ، هل يسهم لبعيره ؟ فذهب أكثر العلماء إلى أنه لا يسهم للإبل ، قال
ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن من غزا على بعير فله سهم راجل ، كذلك قال
الحسن ،
ومكحول ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وأصحاب الرأي ، واختاره
أبو الخطاب من الحنابلة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " : وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه أسهم لغير الخيل من البهائم وقد كان معه يوم " بدر " سبعون بعيرا ، ولم تخل غزاة من غزواته من الإبل ، هي كانت غالب دوابهم فلم ينقل عنه أنه أسهم لها ، ولو أسهم لها لنقل ، وكذلك من بعد النبي صلى الله عليه وسلم من خلفائه وغيرهم مع كثرة غزواتهم لم ينقل عن أحد منهم فيما علمناه أنه أسهم لبعير ، ولو أسهم لبعير لم يخف ذلك ، ولأنه لا يتمكن صاحبه من الكر والفر ، فلم يسهم له كالبغل والحمار ، اهـ .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : من
غزا على بعير ، وهو لا يقدر على غيره قسم له ولبعيره سهمان ، وظاهره أنه لا يسهم للبعير مع إمكان الغزو على فرس ، وعن
أحمد : أنه يسهم
[ ص: 95 ] للبعير سهم ، ولم يشترط عجز صاحبه عن غيره ، وحكي نحو هذا عن
الحسن ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " .
واحتج أهل هذا القول بقوله تعالى :
فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب [ 59 \ 6 ] ، قالوا : فذكر الركاب وهي الإبل مع الخيل ، وبأنه حيوان تجوز المسابقة عليه بعوض فيسهم له كالفرس ; لأن
تجويز المسابقة بعوض إنما هو في ثلاثة أشياء ، هي : النصل ، والخف ، والحافر ، دون غيرها ; لأنها آلات الجهاد ، فأبيح أخذ الرهن في المسابقة بها ، تحريضا على رياضتها ، وتعلم الإتقان فيها .
قال مقيده عفا الله عنه : الذي يظهر لي - والله أعلم - أنه لا يسهم للإبل لما قدمنا آنفا ، وأما غير الخيل والإبل ، من البغال والحمير والفيلة ونحوها ، فلا يسهم لشيء منه ، وإن عظم غناؤها وقامت مقام الخيل .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة : ولا خلاف في ذلك ; لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقسم لشيء من ذلك ، ولأنها مما لا تجوز المسابقة عليه بعوض فلم يسهم لها كالبقر .