[ ص: 135 ] المسألة الرابعة : اعلم أن جماهير علماء المسلمين من الصحابة ومن بعدهم على وجوب
الزكاة في عروض التجارة ، فتقوم عند الحول ، ويخرج ربع عشرها كزكاة العين ، قال
ابن المنذر : أجمع عامة أهل العلم على وجوب زكاة التجارة ، قال : رويناه عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، وابنه
عبد الله ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، والفقهاء السبعة :
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=14946والقاسم بن محمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=11947وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ،
nindex.php?page=showalam&ids=15786وخارجة بن زيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16523وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار ،
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ،
nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=17188وميمون بن مهران ،
والنخعي ،
ومالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
والنعمان ، وأصحابه ،
وأحمد ،
وإسحاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ،
وأبي عبيد ، اهـ ، بواسطة نقل
النووي في " شرح المهذب " ،
وابن قدامة في " المغني " ،
ولمالك - رحمه الله - تفصيل في عروض التجارة ; لأن عروض التجارة عنده تنقسم إلى عرض تاجر مدير ، وعرض تاجر محتكر ، فالمدير هو الذي يبيع ويشتري دائما ، والمحتكر هو الذي يشتري السلع ويتربص بها حتى يرتفع سعرها فيبيعها ، وإن لم يرتفع سعرها لم يبعها ولو مكثت سنين .
فعروض المدير عنده وديونه التي يطالب بها الناس إن كانت مرجوة يزكيها عند كل حول ، والدين الحال يزكيه بالعدد ، والمؤجل بالقيمة .
أما عرض المحتكر فلا يقوم عنده ولا زكاة فيه حتى يباع بعين فيزكي العين على حول أصل العرض ، وإلى هذا أشار
ابن عاشر ، في " المرشد المعين " بقوله : [ الرجز ]
والعرض ذو التجر ودين من أدار قيمتها كالعين ثم ذو احتكار زكى لقبض ثمن أو دين
عينا بشرط الحول للأصلين
زاد
مالك في مشهور مذهبه شرطا ، وهو أنه يشترط في وجوب تقويم عروض المدير أن يصل يده شيء ناض من ذات الذهب أو الفضة ، ولو كان ربع درهم أو أقل ، وخالفه
ابن حبيب من أهل مذهبه ، فوافق الجمهور في عدم اشتراط ذلك .
ولا يخفى أن مذهب الجمهور هو الظاهر ، ولم نعلم بأحد من أهل العلم خالف في وجوب زكاة عروض التجارة ، إلا ما يروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=15858داود الظاهري ، وبعض أتباعه .
ودليل الجمهور آية ، وأحاديث ، وآثار وردت بذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم ، ولم يعلم أن أحدا منهم خالف في ذلك ، فهو إجماع سكوتي .
فمن الأحاديث الدالة على ذلك : ما رواه
أبو ذر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه
[ ص: 136 ] قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007729في الإبل صدقتها ، وفي الغنم صدقتها ، وفي البز صدقته " الحديث . أخرجه
الحاكم ،
nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ،
والبيهقي .
وقال
النووي في " شرح المهذب " : هذا الحديث رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، في " سننه " ،
nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم أبو عبد الله في " المستدرك " ،
والبيهقي ، بأسانيدهم ، ذكره
الحاكم بإسنادين ، ثم قال : هذان الإسنادان صحيحان على شرط
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ،
ومسلم ، اهـ .
ثم قال : قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003055وفي البز صدقته " ، هو بفتح الباء وبالزاي ، هكذا رواه جميع الرواة ، وصرح بالزاي
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ،
والبيهقي ، وقال
ابن حجر في " التلخيص " : حديث
أبي ذر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007730في الإبل صدقتها وفي البز صدقته " ، أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، عن
أبي ذر من طريقين ، وقال في آخره : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003056وفي البز صدقته " ، قالها بالزاي ، وإسناده غير صحيح ، مداره على
موسى بن عبيدة الربذي ، وله عنده طريق ثالث من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عمران بن أبي أنس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16870مالك بن أوس ، عن
أبي ذر وهو معلول ; لأن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، رواه عن
عمران : أنه بلغه عنه ، ورواه
الترمذي في العلل من هذا الوجه ، وقال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عنه فقال : لم يسمعه
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج من
عمران ، وله طريقة رابعة ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني أيضا ،
والحاكم ، من طريق
سعيد بن سلمة بن أبي الحسام ، عن
عمران ، ولفظه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007731في الإبل صدقتها ، وفي الغنم صدقتها ، وفي البقر صدقتها ، وفي البز صدقته ، ومن رفع دراهم أو دنانير لا يعدها لغريم ، ولا ينفقها في سبيل الله ، فهو كنز يكوى به يوم القيامة ، وهذا إسناد لا بأس به ، اهـ .
فترى
ابن حجر قال : إن هذا الإسناد لا بأس به مع ما قدمنا عن
الحاكم من صحة الإسنادين المذكورين ، وتصحيح
النووي لذلك والذي رأيته في سنن
البيهقي : أن
سعيد بن سلمة بن أبي الحسام يروي الحديث عن
موسى المذكور ، عن
عمران ، لا عن
عمران مباشرة فانظره .
فإن قيل : قال
ابن دقيق العيد : الذي رأيته في نسخة من " المستدرك " في هذا الحديث : " البر " بضم الموحدة وبالراء المهملة ، ورواية
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني التي صرح فيها بالزاي في لفظة البز في الحديث ضعيفة ، وإذن فلا دليل في الحديث على تقرير صحته على وجوب زكاة عروض التجارة .
فالجواب هو ما قدمنا عن
النووي ، من أن جميع رواته رووه بالزاي ، وصرح بأنه بالزاي
البيهقي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ، كما تقدم .
[ ص: 137 ] ومن الأحاديث الدالة على وجوب الزكاة في عروض التجارة ما أخرجه
أبو داود في " سننه " عن
nindex.php?page=showalam&ids=24سمرة بن جندب الفزاري رضي الله عنه ، قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007732أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نعد للبيع " ، وهذا الحديث سكت عليه
أبو داود رحمه الله ، ومعلوم من عادته أنه لا يسكت إلا عن حديث صالح للاحتجاج عنده . وقد قال
ابن حجر في " التلخيص " في هذا الحديث : رواه
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ،
nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار ، من حديث
سليمان بن سمرة عن أبيه وفي إسناده جهالة ، اهـ .
قال مقيده ، عفا الله عنه : في إسناد هذا الحديث عند
أبي داود حبيب بن سليمان بن سمرة بن جندب ، وهو مجهول ، وفيه
جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب ، وهو ليس بالقوي ، وفيه
سليمان بن موسى الزهري أبو داود ، وفيه لين ، ولكنه يعتضد بما قدمنا من حديث
أبي ذر ، ويعتضد أيضا بما ثبت عن
أبي عمرو بن حماس ، أن أباه
حماسا قال : مررت على
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وعلى عنقي أدم أحملها ، فقال : ألا تؤدي زكاتك يا حماس ؟ فقال : ما لي غير هذا ، وأهب في القرظ قال : ذلك مال فضع ، فوضعها بين يديه ، فحسبها فوجدت قد وجبت فيها الزكاة فأخذ منها الزكاة ، قال
ابن حجر في " التلخيص " في هذا الأثر : رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، عن
سفيان ، حدثنا
يحيى ، عن
عبد الله بن أبي سلمة ، عن
أبي عمرو بن حماس أن أباه قال : مررت
nindex.php?page=showalam&ids=2بعمر بن الخطاب ، فذكره ، ورواه
أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة ،
وعبد الرزاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد به ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد ، عن
أبي عمرو بن حماس ، عن أبيه ، نحوه ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أيضا عن
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17000ابن عجلان ، عن
أبي الزناد ، عن
أبي عمرو بن حماس ، عن أبيه ، اهـ .
وحماس بكسر الحاء وتخفيف الميم وآخره سين مهملة ، فقد رأيت ثبوت أخذ الزكاة من عروض التجارة عن
عمر ، ولم يعلم له مخالف من الصحابة ، وهذا النوع يسمى
إجماعا سكوتيا ، وهو حجة عند أكثر العلماء ، ويؤيده أيضا ما رواه
البيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : " أخبرنا
أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة ، من كتابه أنبأ
nindex.php?page=showalam&ids=14511أبو الحسن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدة ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13918أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15730حفص بن غياث ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر ، عن
نافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، قال : ليس في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة . اهـ .
[ ص: 138 ] قال : وهذا قول عامة أهل العلم ، فالذي روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه قال : لا زكاة في العرض ، قال فيه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في كتاب القديم : إسناد الحديث عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ضعيف ، فكان اتباع حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر لصحته ، والاحتياط في الزكاة أحب إلي ، والله أعلم ، قال : وقد حكى
ابن المنذر ، عن
عائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس مثل ما روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، ولم يحك خلافهم عن أحد فيحتمل أن يكون معنى قوله - إن صح - لا زكاة في العرض إذا لم يرد به التجارة " اهـ من سنن
البيهقي ، ويؤيده ما رواه
مالك في " الموطإ " ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد ، عن
زريق بن حيان ، وكان
زريق على جواز
مصر في زمان
nindex.php?page=showalam&ids=15490الوليد بن عبد الملك ،
وسليمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز ، فذكر أن
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز كتب إليه أن انظر من يمر بك من المسلمين ، فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون من التجارات من كل أربعين دينارا دينارا ، فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرين دينارا فإن نقصت ثلث دينار فدعها ، ولا تأخذ منها شيئا .
وأما الآية : فهي قوله تعالى :
ياأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم [ 2 \ 267 ] ، على ما فسرها به
مجاهد رحمه الله تعالى ، قال
البيهقي في " سننه " باب : " زكاة التجارة " قال الله تعالى وجل ثناؤه :
ياأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم الآية ، أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ ،
وأبو بكر بن الحسن القاضي ،
وأبو سعيد بن أبي عمرو ، قالوا : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13720أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13367الحسن بن علي بن عفان ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17294يحيى بن آدم ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17275ورقاء ، عن
أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قوله تعالى :
أنفقوا من طيبات ما كسبتم ، قال : التجارة ،
ومما أخرجنا لكم من الأرض ، قال : النخل ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " صحيحه " ، " باب صدقة الكسب والتجارة " لقوله تعالى :
ياأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ، إلى قوله :
أن الله غني حميد ، قال
ابن حجر في " الفتح " : هكذا أورد هذه الترجمة مقتصرا على الآية بغير حديث .
وكأنه أشار إلى ما رواه
شعبة ، عن
الحكم ، عن
مجاهد في هذه الآية :
ياأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ، قال : من التجارة الحلال ، أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم من طريق
آدم عنه ، وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري من طريق
هشيم ، عن
شعبة ، ولفظه :
من طيبات ما كسبتم قال : من التجارة
ومما أخرجنا لكم من الأرض ، قال :
[ ص: 139 ] من الثمار .
ولا شك أن ما ذكره
مجاهد داخل في عموم الآية ، فتحصل أن جميع ما ذكرناه من طرق حديث
أبي ذر ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=24سمرة بن جندب المرفوعين وما صح من أخذ
عمر زكاة الجلود من
حماس ، وما روي عن
أبي عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز ، وظاهر عموم الآية الكريمة ، وما فسرها به
مجاهد ، وإجماع عامة أهل العلم إلا من شذ عن السواد الأعظم - يكفي في الدلالة على وجوب الزكاة في عروض التجارة ، والعلم عند الله تعالى .