قوله تعالى : (
يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر )
معنى الآية : أن أحد المذكورين يتمنى أن يعيش ألف سنة ، وطول عمره لا يزحزحه ، أي : لا يبعده عن العذاب ، فالمصدر المنسبك من أن وصلتها في قوله : (
أن يعمر ) فاعل اسم الفاعل الذي هو مزحزحه على أصح الأعاريب ، وفي " لو " من قوله : (
لو يعمر ) ، وجهان : الأول : وهو قول الجمهور أنها حرف مصدري ، وهي وصلتها في تأويل مفعول به لـ " يود " والمعنى : (
يود أحدهم ) أي : يتمنى تعمير ألف سنة ، و " لو " : قد تكون حرفا مصدريا لقول
قتيلة بنت الحارث :
ما كان ضرك لو مننت وربما من الفتى وهو المغيظ المحنق
أي : ما كان ضرك منه .
وقال بعض العلماء : إن ( لو ) هنا هي الشرطية ، والجواب محذوف وتقديره : لو يعمر ألف سنة ، لكان ذلك أحب شيء إليه ، وحذف جواب ( لو ) مع دلالة المقام عليه واقع في القرآن وفي كلام العرب ، فمنه في القرآن ؛ قوله تعالى : (
كلا لو تعلمون علم اليقين ) [ 102 \ 5 ] أي : لو تعلمون علم اليقين لما (
ألهاكم التكاثر ) [ 102 \ 1 ] ، وقوله : (
ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) [ 13 \ 31 ] أي : لكان هذا القرآن أو لكفرتم بالرحمن ، ومنه في كلام العرب قول الشاعر :
فأقسم لو شيء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
أي : لو شيء أتانا رسوله سواك لدفعناه . إذا عرفت معنى الآية فاعلم أن الله قد أوضح هذا المعنى مبينا أن الإنسان لو متع ما متع من السنين ، ثم انقضى ذلك المتاع وجاءه العذاب أن ذلك المتاع الفائت لا ينفعه ، ولا يغني عنه شيئا بعد انقضائه وحلول العذاب محله . وذلك في قوله : (
أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ) [ 26 \ 205 ، 206 ، 207 ] وهذه هي
[ ص: 42 ] أعظم آية في إزالة الداء العضال الذي هو طول الأمل . كفانا الله والمؤمنين شره .