قوله تعالى :
ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير ، هذه الآية الكريمة فيها الدلالة الواضحة على أن
الحكمة العظمى التي أنزل القرآن من أجلها : هي أن يعبد الله جل وعلا وحده ، ولا يشرك به في عبادته شيء ; لأن قوله جل وعلا :
كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ألا تعبدوا إلا الله الآية [ 11 \ 1 ، 2 ] صريح في أن
[ ص: 169 ] آيات هذا الكتاب فصلت من عند الحكيم الخبير لأجل أن يعبد الله وحده ، سواء قلنا إن " أن " هي المفسرة ، أو أن المصدر المنسبك منها ومن صلتها مفعول من أجله ; لأن ضابط " أن " المفسرة أن يكون ما قبلها متضمنا معنى القول ، ولا يكون فيه حروف القول .
ووجهه في هذه الآية أن قوله :
أحكمت آياته ثم فصلت [ 11 \ 1 ] ، فيه معنى قول الله تعالى لذلك الإحكام والتفصيل دون حروف القول ، فيكون تفسير ذلك هو :
ألا تعبدوا إلا الله .
وأما على القول بأن المصدر المنسبك من " أن " وصلتها مفعول له ، فالأمر واضح ، فمعنى الآية : أن حاصل تفصيل القرآن هو أن يعبد الله تعالى وحده ولا يشرك به شيء ، ونظير هذا المعنى قوله تعالى في سورة الأنبياء :
قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون [ 21 \ 108 ] ، ومعلوم أن لفظة " إنما " من صيغ الحصر ، فكأن جميع ما أوحي إليه منحصر في معنى " لا إله إلا الله " وقد ذكرنا في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " أن حصر الوحي في آية الأنبياء هذه في توحيد العبادة حصر له في أصله الأعظم الذي يرجع إليه جميع الفروع ; لأن شرائع الأنبياء كلهم داخلة في ضمن معنى " لا إله إلا الله " لأن معناها خلع جميع المعبودات غير الله جل وعلا في جميع أنواع العبادات ، وإفراده جل وعلا وحده بجميع أنواع العبادات ، فيدخل في ذلك جميع الأوامر والنواهي القولية ، والفعلية ، والاعتقادية .
والآيات الدالة على أن إرسال الرسل ، وإنزال الكتب لأجل أن يعبد الله وحده كثيرة جدا ، كقوله :
ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت [ 16 \ 36 ] ، وقوله :
وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون [ 21 \ 25 ] ، وقوله :
واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون [ 43 \ 45 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وقد أشرنا إلى هذا البحث في " سورة الفاتحة " وسنستقصي الكلام عليه - إن شاء الله تعالى - في " سورة الناس " لتكون خاتمة هذا الكتاب المبارك حسنى .