قوله تعالى :
قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين الآية ، ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه أمر نبيه
نوحا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام : أن يحمل في سفينته من كل زوجين اثنين ، وبين في سورة
قد أفلح المؤمنون أنه أمره أن يسلكهم - أي يدخلهم - فيها .
فدل ذلك على أن فيها بيوتا يدخل فيها الراكبون ، وذلك في قوله
فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين [ 23 \ 27 ] ، ومعنى اسلك أدخل فيها من كل زوجين اثنين ، تقول العرب : سلكت الشيء في الشيء : أدخلته فيه ، وفيه لغة أخرى وهي : أسلكته فيه ، رباعيا بوزن : أفعل ، والثلاثية لغة القرآن ، كقوله :
فاسلك فيها من كل زوجين اثنين الآية [ 23 \ 27 ] ، وقوله
اسلك يدك في جيبك الآية [ 28 \ 32 ] ، وقوله :
كذلك سلكناه في قلوب المجرمين الآية [ 26 \ 200 ] ، وقوله :
[ ص: 183 ] كذلك نسلكه في قلوب المجرمين الآية [ 15 \ 12 ] ، وقوله :
ما سلككم في سقر الآية [ 74 \ 42 ] ، ومنه قول الشاعر :
وكنت لزاز خصمك لم أعدد وقد سلكوك في يوم عصيب
ومن الرباعية قول
عبد مناف بن ربع الهذلي :
حتى إذا أسلكوهم في قتائدة شلا كما تطرد الجمالة الشردا
قال مقيده عفا الله عنه : الذي يظهر لي أن أصل السلك الذي هو الخيط فعل بمعنى مفعول كذبح بمعنى مذبوح ، وقتل بمعنى مقتول ; لأن الخيط يسلك أي يدخل في الخرز لينظمه ، كما قال
العباس بن مرداس السلمي :
عين تأوبها من شجوها أرق فالماء يغمرها طورا وينحدر
كأنه نظم در عند ناظمة تقطع السلك منه فهو منتثر
والله تعالى أعلم .