[ ص: 218 ] قوله تعالى :
وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون .
لم يبين هنا هذا الذي أجمعوا أمرهم عليه ، ولم يبين هنا أيضا المراد بمكرهم ، ولكنه بين في أول هذه السورة الكريمة أن الذي أجمعوا أمرهم عليه هو جعله في غيابة الجب ، وأن مكرهم هو ما فعلوه بأبيهم
يعقوب وأخيهم
يوسف ، وذلك في قوله :
فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب إلى قوله :
والله المستعان على ما تصفون [ 12 \ 18 ] .
وقد أشار تعالى في هذه الآية الكريمة إلى صحة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ; لأنه أنزل عليه هذا القرآن ، وفصل له هذه القصة ، مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن حاضرا لدى أولاد
يعقوب حين أجمعوا أمرهم على المكر به ، وجعله في غيابة الجب ، فلولا أن الله أوحى إليه ذلك ما عرفه من تلقاء نفسه .
والآيات المشيرة لإثبات رسالته ، بدليل إخباره بالقصص الماضية التي لا يمكنه علم حقائقها إلا عن طريق الوحي كثيرة ، كقوله :
وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم الآية [ 3 \ 44 ] .
وقوله :
وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر الآية [ 28 \ 44 ] .
وقوله :
وما كنت ثاويا في أهل مدين [ 28 \ 45 ] .
وقوله :
وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك الآية [ 28 \ 46 ] .
وقوله :
ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين [ 38 \ 69 ، 70 ] .
وقوله :
تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا الآية [ 11 \ 49 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
فهذه الآيات من أوضح الأدلة على أنه صلى الله عليه وسلم رسول كريم ، وإن كانت المعجزات الباهرة الدالة على ذلك أكثر من الحصر .