قوله تعالى :
الله يعلم ما تحمل كل أنثى .
لفظة " ما " في هذه الآية يحتمل أن تكون موصولة والعائد محذوف ، أي يعلم الذي تحمله كل أنثى . وعلى هذا فالمعنى : يعلم ما تحمله من الولد على أي حال هو من ذكورة ، وأنوثة ، وخداج ، وحسن ، وقبح ،
[ ص: 224 ] وطول ، وقصر ، وسعادة ، وشقاوة إلى غير ذلك من الأحوال .
وقد دلت على هذا المعنى آيات من كتاب الله ، كقوله :
ويعلم ما في الأرحام [ 31 \ 34 ] ; لأن " ما " فيه موصولة بلا نزاع ، وكقوله :
هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم [ 53 \ 32 ] ، وقوله :
هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء الآية [ 3 \ 6 ] .
ويحتمل أيضا : أن تكون لفظة " ما " في الآية الكريمة مصدرية ، أي يعلم حمل كل أنثى بالمعنى المصدري ، وقد جاءت آيات تدل أيضا على هذا المعنى ، كقوله :
وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب [ 35 \ 11 ] ، وقوله :
إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه الآية [ 41 \ 47 ] .
وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن الآية قد يكون لها وجهان كلاهما حق ، وكلاهما يشهد له قرآن ، فنذكر الجميع .
وأما احتمال كون لفظة " ما " في هذه الآية استفهامية ، فهو بعيد فيما يظهر لي ، وإن قال به بعض أهل العلم ، وقد دلت السنة الصحيحة على أن علم ما في الأرحام المنصوص عليه في الآيات المذكورة ، مما استأثر الله به دون خلقه ، وذلك هو ما ثبت في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من أن المراد بمفاتح الغيب في قوله تعالى :
وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو [ 6 \ 59 ] الخمس المذكورة في قوله تعالى :
إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت [ 31 \ 34 ] ، والاحتمالان المذكوران في لفظة " ما " من قوله :
يعلم ما تحمل الآية [ 13 \ 8 ] جاريان أيضا في قوله :
وما تغيض الأرحام وما تزداد [ 13 \ 8 ] فعلى كونها موصولة فيهما ، فالمعنى يعلم الذي تنقصه وتزيده ، وعلى كونها مصدرية ، فالمعنى يعلم نقصها وزيادتها .
واختلف العلماء في المراد بقوله :
وما تغيض الأرحام وما تزداد [ 13 \ 8 ] ، وهذه أقوالهم في الآية بواسطة نقل " صاحب الدر المنثور في التفسير بالمأثور " : أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، عن
الضحاك في قوله
وما تغيض الأرحام وما تزداد ، قال : " هي المرأة ترى الدم في حملها " .
[ ص: 225 ] وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
وأبو الشيخ ، عن
مجاهد في قوله :
وما تغيض الأرحام ، قال : " خروج الدم " وما تزداد ، قال : " استمساكه " .
وأخرج
ابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما في قوله :
وما تغيض الأرحام ، قال : " أن ترى الدم في حملها " وما تزداد ، قال : " في التسعة الأشهر " .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم ، من طريق
الضحاك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما في قوله :
وما تغيض الأرحام وما تزداد ، قال : " ما تزداد على التسعة وما تنقص من التسعة " .
وأخرج
ابن المنذر ،
وأبو الشيخ ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما ، قال :
وما تغيض الأرحام ، قال : " ما دون تسعة أشهر وما تزداد فوق التسعة " .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله :
وما تغيض الأرحام ، يعني : " السقط " ، وما تزداد ، يقول : " ما زادت في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماما ، وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر ، ومنهن من تحمل تسعة أشهر ، ومنهن من تزيد في الحمل ، ومنهن من تنقص ، فذلك الغيض ، والزيادة التي ذكر الله تعالى ، وكل ذلك بعلمه تعالى " .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
وأبو الشيخ ، عن
الضحاك رضي الله عنه ، قال : " ما دون التسعة أشهر فهو غيض وما فوقها فهو زيادة " .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
وأبو الشيخ ، عن
عكرمة - رضي الله عنه - قال : " ما غاض الرحم بالدم يوما إلا زاد في الحمل يوما حتى تكمل تسعة أشهر طاهرا " .
وأخرج
ابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
الحسن - رضي الله عنه - في قوله :
وما تغيض الأرحام ، قال : " السقط " وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
مجاهد - رضي الله عنه - في الآية ، قال : " إذا رأت الدم هش الولد وإذا لم تر الدم عظم الولد " اهـ . من " الدر المنثور في التفسير بالمأثور " .
[ ص: 226 ] وقيل : الغيض والزيادة يرجعان إلى الولد ، كنقصان إصبع وغيرها ، وزيادة إصبع وغيرها .
وقيل : الغيض : انقطاع دم الحيض ، وما تزداد : بدم النفاس بعد الوضع .
ذكر هذين القولين
القرطبي .
وقيل : تغيض : تشتمل على واحد ، وتزداد : تشتمل على توأمين فأكثر .
قال مقيده عفا الله عنه : مرجع هذه الأقوال كلها إلى شيء واحد ، وهو أنه تعالى عالم بما تنقصه الأرحام وما تزيده ; لأن معنى تغيض : تنقص ، وتزداد ، أي : تأخذه زائدا ، فيشمل النقص المذكور : نقص العدد ، ونقص العضو من الجنين ، ونقص جسمه إذا حاضت عليه فتقلص ، ونقص
مدة الحمل بأن تسقطه قبل أمد حمله المعتاد ، كما أن الازدياد يشمل : زيادة العضو ، وزيادة العدد ، وزيادة جسم الجنين إن لم تحض وهي حامل ، وزيادة أمد الحمل عن القدر المعتاد ، والله جل وعلا يعلم ذلك كله والآية تشمله كله .