تنبيه
أخذ بعض العلماء من هذه الآية الكريمة أن
أقل أمد الحمل وأكثره ، وأقل أمد الحيض وأكثره ، مأخوذ من طريق الاجتهاد ; لأن الله استأثر بعلم ذلك لقوله :
الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام الآية .
ولا يجوز أن يحكم في شيء من ذلك إلا بقدر ما أظهره الله لنا ووجد ظاهرا في النساء نادرا ، أو معتادا ، وسنذكر - إن شاء الله - أقوال العلماء في أقل الحمل وأكثره ، وأقل الحيض وأكثره ، ونرجح ما يظهر رجحانه بالدليل .
فنقول وبالله تعالى نستعين :
اعلم أن العلماء أجمعوا على أن أقل أمد الحمل ستة أشهر ، وسيأتي بيان أن القرآن دل على ذلك ; لأن قوله تعالى :
وحمله وفصاله ثلاثون شهرا [ 46 \ 15 ] ، إن ضممت إليه قوله تعالى :
وفصاله في عامين [ 31 \ 14 ] ، بقي عن مدة الفصال من الثلاثين شهرا لمدة الحمل ستة أشهر ، فدل ذلك على أنها أمد للحمل يولد فيه الجنين كاملا كما يأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى .
وقد ولد
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان لستة أشهر ، وهذه الأشهر الستة بالأهلة ، كسائر أشهر الشريعة ; لقوله تعالى :
يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس الآية [ 2 \ 189 ] .
قال
القرطبي : " ولذلك قد روي في المذهب عن بعض
أصحاب مالك وأظنه في كتاب
[ ص: 227 ] ابن حارث أنه إن نقص عن الأشهر الستة ثلاثة أيام فإن الولد يلحق لعلة نقص الأشهر وزيادتها . حكاه
ابن عطية . اهـ " .
قال مقيده عفا الله عنه : الذي يظهر والله تعالى اعلم أن الشهر المعدود من أوله يعتبر على حاله من كمال أو نقصان ، وأن المنكسر يتمم ثلاثين ، أما أكثر أمد الحمل فلم يرد في تحديده شيء من كتاب ولا سنة ، والعلماء مختلفون فيه ، وكلهم يقول بحسب ما ظهر له من أحوال النساء .
فذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي إلى أن أقصى أمد الحمل : أربع سنين ، وهو إحدى الروايتين المشهورتين عن
مالك ، والرواية المشهورة الأخرى عن
مالك : خمس سنين ، وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11990الإمام أبو حنيفة إلى أن أقصاه : سنتان ، وهو رواية عن
أحمد ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، وبه قالت
عائشة رضي الله عنها ، وعن
الليث : ثلاث سنين ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : ست ، وسبع ، وعن
محمد بن الحكم : سنة لا أكثر ، وعن
داود : تسعة أشهر .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : هذه مسألة لا أصل لها إلا الاجتهاد والرد إلى ما عرف من أمر النساء ، وقال
القرطبي : " روى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ، قال : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك بن أنس : إني حدثت عن
عائشة أنها قالت : لا تزيد المرأة في حملها على سنتين قدر ظل المغزل ، فقال : سبحان الله من يقول هذا ؟ ! هذه جارتنا امرأة
nindex.php?page=showalam&ids=17000محمد بن عجلان تحمل وتضع في أربع سنين ، وكانت تسمى حاملة الفيل " .
وروي أيضا : بينما
nindex.php?page=showalam&ids=16871مالك بن دينار يوما جالس إذ جاءه رجل ، فقال : " يا
أبا يحيى ، ادع لامرأتي حبلى منذ أربع سنين ! قد أصبحت في كرب شديد " ، فغضب
مالك وأطبق المصحف ، ثم قال :
" ما يرى هؤلاء القوم إلا أنا أنبياء " ، ثم قرأ ، ثم دعا ، ثم قال : " اللهم هذه المرأة إن كان في بطنها ريح فأخرجه عنها ، وإن كان في بطنها جارية فأبدلها غلاما ، فإنك تمحو وتثبت وعندك أم الكتاب " ، ورفع
مالك يده ، ورفع الناس أيديهم ، وجاء الرسول إلى الرجل ، فقال : أدرك امرأتك ، فذهب الرجل ، فما حط
مالك يده حتى طلع الرجل من باب المسجد على رقبته غلام جعد قطط ابن أربع سنين قد استوت أسنانه ما قطعت سراره .
وروي أيضا : أن رجلا جاء إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال : " يا أمير المؤمنين ، إني غبت عن امرأتي سنتين فجئت وهي حبلى " ، فشاور
عمر الناس في رجمها ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل رضي الله عنه : " يا أمير المؤمنين ، إن كان لك عليها سبيل فليس لك
[ ص: 228 ] على ما في بطنها سبيل فاتركها حتى تضع " ، فتركها فوضعت غلاما قد خرجت ثنيتاه فعرف الرجل الشبه ، فقال : " ابني ورب
الكعبة " ، فقال
عمر : " عجزت النساء أن يلدن مثل
معاذ ، لولا
معاذ لهلك
عمر " .
وقال
الضحاك : " وضعتني أمي وقد حملت بي في بطنها سنتين ، فولدتني وقد خرجت سني " .
ويذكر عن
مالك أنه حمل به في بطن أمه سنتين وقيل : ثلاث سنين ، ويقال : إن
nindex.php?page=showalam&ids=17000محمد بن عجلان مكث في بطن أمه ثلاث سنين ، فماتت به وهو يضطرب اضطرابا شديدا ، فشق بطنها وأخرج وقد نبتت أسنانه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة : إنما سمي
nindex.php?page=showalam&ids=17234هرم بن حيان هرما ; لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين .
وذكر
الغزنوي أن
الضحاك ولد لسنتين وقد طلعت سنه ; فسمي ضحاكا .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16285عباد بن العوام ، قال : " ولدت جارة لنا لأربع سنين غلاما شعره إلى منكبيه ، فمر به طير فقال له : كش " . اهـ كلام
القرطبي .
قال مقيده عفا الله عنه : أظهر الأقوال دليلا أنه لا حد لأكثر أمد الحمل ، وهو الرواية الثالثة عن
مالك ، كما نقله عنه
القرطبي ; لأن كل تحديد بزمن معين لا أصل له ولا دليل عليه ، وتحديد زمن بلا مستند صحيح لا يخفى سقوطه ، والعلم عند الله تعالى .
وأما
أقل الحيض وأكثره فقد اختلف فيه العلماء أيضا ، فذهب
مالك إلى أن أقل الحيض بالنسبة إلى العبادة كالصوم ووجوب الغسل لا حد له ، بل لو نزلت من المرأة قطرة دم واحدة لكانت حيضة بالنسبة إلى العبادة ، أما بالنسبة إلى الاستبراء والعدة ، فقيل كذلك أيضا ، والمشهور أنه يرجع في قدر ذلك للنساء العارفات بالقدر الذي يدل على براءة الرحم من الحيض ، قال
خليل بن إسحاق في مختصره الذي قال فيه مبينا لما به الفتوى : ورجع في قدر الحيض هنا ، هل هو يوم أو بعضه إلى قوله للنساء ، أي : رجع في ذلك كله للنساء . اهـ .
والظاهر أنه عند
مالك من قبيل تحقيق المناط ، والنساء أدرى بالمناط في ذلك .
أما أكثر الحيض عند
مالك فهو بالنسبة إلى الحيضة الأولى التي لم تحض قبلها : نصف شهر ، ثم إن تمادى عليها الدم بعد نصف الشهر فهي مستحاضة ، وأما المرأة التي اعتادت الحيض فأكثر مدة حيضها عنده هو زيادة ثلاثة أيام استظهارا على أكثر أزمنة عادتها إن تفاوت زمن حيضها ، فإن حاضت مرة ستا ومرة خمسا ومرة سبعا استظهرت بالثلاثة على
[ ص: 229 ] السبعة ; لأنها أكثر عادتها ، ومحل هذا إذا لم يزد ذلك على نصف الشهر ، فإن زاد على نصف الشهر فهي طاهر عند مضي نصف الشهر ، وكل هذا في غير الحامل ، وسيأتي الكلام في هذا المبحث - إن شاء الله - على الدم الذي تراه الحامل .
هذا حاصل مذهب
مالك في أقل الحيض وأكثره ، وأما أكثر الطهر فلا حد له ، ولا خلاف في ذلك بين العلماء ، وأقل الطهر في مذهب
مالك لم يصرح به
مالك ، بل قال : يسأل النساء عن عدد أيام الطهر .
وقال الشيخ
أبو محمد في رسالته : إنه نحو ثمانية أيام ، أو عشرة أيام . وقال
ابن سراج : " ينبغي أن تكون الفتوى بذلك " ; لأن الشيخ
أبا محمد استقرأ ذلك من " المدونة " ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13521ابن مسلمة : " أقل الطهر في مذهب
مالك خمسة عشر يوما " ، واعتمده صاحب " التلقين " ، وجعله
nindex.php?page=showalam&ids=13256ابن شاس المشهور ، وعليه درج
خليل بن إسحاق في مختصره ; حيث قال : وأكثره لمبتدئه نصف شهر كأقل الطهر .
وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الإمام الشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251والإمام أحمد - رحمهما الله - في المشهور الصحيح عنهما : أن أقل الحيض يوم وليلة ، وأكثره خمسة عشر يوما ، وهو قول
عطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ، وأقل الطهر عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي باتفاق أصحابه خمسة عشر يوما ، ونقل
الماوردي عن أكثر أهل العلم أن أقل الطهر خمسة عشر يوما ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري أقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يوما .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور : وذلك مما لا يختلفون فيه فيما نعلم .
وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد إلى أن أقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما ، وروى عنه ذلك
الأثرم ،
وأبو طالب ، وقد قدمنا مرارا أن أكثر الطهر لا حد له إجماعا ، قال
النووي في " شرح المهذب " : ودليل الإجماع الاستقراء ; لأن ذلك موجود مشاهد ، ومن أظرفه ما نقله
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب في تعليقه ، قال : " أخبرتني امرأة عن أختها أنها تحيض في كل سنة يوما وليلة وهي صحيحة تحبل وتلد ونفاسها أربعون يوما " .
وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11990الإمام أبو حنيفة - رحمه الله - إلى أن أقل الحيض ثلاثة أيام ، وأكثره عشرة . وعن
أبي يوسف : أقله يومان وأكثر الثالث . وأقل الطهر عند
أبي حنيفة وأصحابه : خمسة عشر يوما ولا حد لأكثره عنده ، كما قدمنا حكاية الإجماع عليه مرارا ، ويستثنى من ذلك مراعاة المعتادة المستحاضة لزمن طهرها وحيضها .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17299يحيى بن أكثم : أقل الطهر تسعة عشر يوما ، وحكى
الماوردي عن
مالك ثلاث
[ ص: 230 ] روايات في أكثر الحيض ، إحداها : خمسة عشر ، والثانية : سبعة عشر ، والثالثة : غير محدودة .
وعن
مكحول : أكثر الحيض سبعة أيام ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12873عبد الملك بن الماجشون : أقل الطهر خمسة أيام ، ويحكى عن نساء الماجشون أنهن كن يحضن سبع عشرة ، قال
أحمد : " وأكثر ما سمعنا سبع عشرة " .
هذا حاصل أقوال العلماء في أقل الحيض وأكثره ، وهذه أدلتهم . أما
أبو حنيفة ومن وافقه ، فاحتجوا لمذهبهم أن أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=105واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام " .
وبما روي عن
أبي أمامة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007770 " لا يكون الحيض أكثر من عشرة أيام ولا أقل من ثلاثة أيام " وبما روي عن
أنس - رضي الله عنه - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007771 " الحيض ثلاث ، أربع ، خمس ، ست ، سبع ، ثمان ، تسع ، عشر " ، قالوا :
وأنس لا يقول هذا إلا توقيفا ، قالوا : ولأن هذا تقدير ، والتقدير لا يصح إلا بتوقيف ، أو اتفاق ، وإنما حصل الاتفاق على ثلاثة ، ورد الجمهور الاستدلال بالأحاديث المذكورة بأنها ضعيفة لا تثبت بمثلها حجة .
قال
النووي في " شرح المهذب " ما نصه : " وأما حديث
واثلة ،
وأبي أمامة ،
وأنس ، فكلها ضعيفة متفق على ضعفها عند المحدثين ، وقد أوضح ضعفها
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، ثم
البيهقي في كتاب " الخلافيات " ثم " السنن الكبير " اهـ .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " : حديث
واثلة يرويه
محمد بن أحمد الشامي وهو ضعيف ، عن
حماد بن المنهال ، وهو مجهول ، وحديث
أنس يرويه
الجلد بن أيوب ، وهو ضعيف ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة : هو حديث لا أصل له ، وقال
أحمد في حديث
أنس : ليس هو شيئا هذا من قبل
الجلد بن أيوب ، قيل : إن
محمد بن إسحاق رواه ، قال ما أراه سمعه إلا من
الحسن بن دينار ، وضعفه جدا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع ذاك :
أبو حنيفة لم يحتج إلا
بالجلد بن أيوب ، وحديث
الجلد قد روي عن
علي رضي الله عنه ما يعارضه ، فإنه قال : ما زاد على خمسة عشر استحاضة ، وأقل الحيض يوم وليلة ، وقال
البيهقي في " السنن الكبرى " : فهذا حديث يعرف
بالجلد بن أيوب ، وقد أنكر عليه ذلك ، وقال
البيهقي أيضا : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية :
الجلد أعرابي لا يعرف الحديث ، وقال أيضا : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : نحن وأنت لا نثبت مثل حديث
[ ص: 231 ] الجلد ، ونستدل على غلط من هو أحفظ منه بأقل من هذا .
وقال أيضا : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16039سليمان بن حرب : كان
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد - يعني ابن زيد - يضعف
الجلد ، ويقول لم يكن يعقل الحديث .
وروى
البيهقي أيضا بإسناده عن
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد ، قال : ذهبت أنا
nindex.php?page=showalam&ids=15627وجرير بن حازم إلى
الجلد بن أيوب ، فحدثنا بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=17112معاوية بن قرة ، عن
أنس في الحائض ، فذهبنا نوقفه ، فإذا هو لا يفصل بين الحائض ، والمستحاضة . وروى أيضا بإسناده عن
nindex.php?page=showalam&ids=14273أحمد بن سعيد الدارمي ، قال : سألت
أبا عاصم ، عن
الجلد بن أيوب فضعفه جدا ، وقال : كان شيخا من مشايخ العرب تساهل أصحابنا في الرواية عنه .
وروى
البيهقي أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك أن
أهل البصرة كانوا ينكرون حديث
الجلد بن أيوب ، ويقولون : شيخ من شيوخ العرب ليس بصاحب حديث ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك : وأهل مصره أعلم به من غيرهم . قال
يعقوب : وسمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16039سليمان بن حرب ،
nindex.php?page=showalam&ids=16222وصدقة بن الفضل ،
وإسحاق بن إبراهيم ، وبلغني عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل أنهم كانوا يضعفون
الجلد بن أيوب ، ولا يرونه في موضع الحجة ، وروى بإسناده أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة أنه كان يقول : ما
جلد ؟ ومن
جلد ؟ ومن كان
جلد ؟ وروى بإسناده أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : سمعت أبي ذكر
الجلد بن أيوب ، فقال : ليس يسوى حديثه شيئا ، ضعيف الحديث . اهـ . وإنما أطلنا الكلام في تضعيف هذا الأثر ; لأنه أقوى ما جاء في الباب على ضعفه كما ترى . وقد قال
البيهقي في " السنن الكبرى " : روي في أقل الحيض وأكثره أحاديث ضعاف قد بينت ضعفها في " الخلافيات " .
وأما حجة من قال : إن أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790كالشافعي ،
وأحمد ، ومن وافقهما ، فهي أنه لم يثبت في ذلك تحديد من الشرع فوجب الرجوع إلى المشاهد في الوجود ، والمشاهد أن الحيض لا يقل عن يوم وليلة ولا يزيد على نصف شهر ، قالوا : وثبت مستفيضا عن السلف من التابعين فمن بعدهم وجود ذلك عيانا ، ورواه
البيهقي ، وغيره ، عن
عطاء ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16524وعبيد الله بن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=17293ويحيى بن سعيد ،
وربيعة ،
وشريك ،
nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن صالح ،
nindex.php?page=showalam&ids=16349وعبد الرحمن بن مهدي رحمهم الله تعالى .
قال
النووي : " فإن قيل : روى
nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه ، عن بعضهم أن امرأة من نساء
الماجشون حاضت عشرين يوما ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران أن بنت
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير كانت تحته وكانت تحيض من السنة شهرين ، فجوابه بما أجاب به المصنف في كتابه النكت أن هذين النقلين ضعيفان .
[ ص: 232 ] فالأول : عن بعضهم وهو مجهول ، وقد أنكره بعضهم ، وقد أنكره
nindex.php?page=showalam&ids=16867الإمام مالك بن أنس ، وغيره من علماء
المدينة .
والثاني : رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ، عن رجل ، عن
ميمون ، والرجل مجهول . والله أعلم " اهـ .
وأما حجة
مالك في أكثر الحيض للمبتدئة ، فكحجة
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأحمد ، وحجته في أكثره للمعتادة ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16867الإمام مالك ،
وأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة - رضي الله عنها - أنها
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007772استفتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأة تهراق الدم فقال : " لتنظر قدر الليالي والأيام التي كانت تحيضهن وقدرهن من الشهر فتدع الصلاة ، ثم لتغتسل ، ولتستثفر ، ثم تصلي " اهـ .
وهذا الحديث نص في الرجوع إلى عادة الحائض .
قال
ابن حجر في " التلخيص " في هذا الحديث : قال
النووي إسناده على شرطهما ، وقال
البيهقي : هو حديث مشهور ، إلا أن
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار لم يسمعه من
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ، وفي رواية
لأبي داود ، عن
سليمان أن رجلا أخبره عن
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ، وقال
المنذري : لم يسمعه
سليمان منها ، وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة ، عن
نافع ، عن
سليمان ، عن
مرجانة ، عنها ، وساقه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني من طريق
صخر بن جويرة ، عن
نافع ، عن
سليمان أنه حدثه رجل عنها . اهـ .
وللحديث شواهد متعددة تقوي رجوع النساء إلى عادتهن في الحيض ، كحديث
حمنة بنت جحش ، وحديث
عائشة في قصة
فاطمة بنت أبي حبيش ، وأما زيادة ثلاثة أيام ، فهي لأجل الاستظهار والتحري في انقضاء الحيضة ، ولا أعلم لها مستندا من نصوص الوحي الثابتة ، وأما حجة
مالك في أقل الحيض بالنسبة إلى العبادات فهي التمسك بظاهر إطلاق النصوص ، ولم يرد نص صحيح في التحديد .
وأما أقله بالنسبة إلى العدة والاستبراء فحجته فيه أنه من قبيل تحقيق المناط ; لأن الحيض دليل عادي على براءة الرحم فلا بد فيما طلبت فيه بالحيض الدلالة على براءة الرحم من حيض يدل على ذلك بحسب العادة المطردة ، ولذا جعل الرجوع في ذلك إلى النساء العارفات بذلك ; لأن تحقيق المناط يرجع فيه لمن هو أعرف به وإن كان لا حظ له من علوم الوحي ، وحجة
nindex.php?page=showalam&ids=17299يحيى بن أكثم في قوله : " إن أقل الطهر تسعة عشر " ، هي أنه يرى أن أكثر الحيض عشرة أيام ، وأن الشهر يشتمل على طهر وحيض ، فعشرة منه للحيض والباقي
[ ص: 233 ] طهر ، وقد يكون الشهر تسعا وعشرين فالباقي بعد عشرة الحيض تسعة عشر . وهذا هو حاصل أدلتهم وليس على شيء منها دليل من كتاب ولا سنة يجب الرجوع إليه . وأقرب المذاهب في ذلك هو أكثرها موافقة للمشاهد ككون الحيض لا يقل عن يوم وليلة ولا يكثر عن نصف شهر ، وكون أقل الطهر نصف شهر ، والله تعالى أعلم .