قوله تعالى : (
وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) الآية ؛ أي : خيارا عدولا ، ويدل لأن الوسط الخيار العدول قوله تعالى : (
كنتم خير أمة أخرجت للناس ) [ 3 \ 110 ] وذلك
[ ص: 46 ] معروف في كلام العرب ومنه قول
زهير :
هم وسط يرضى الأنام لحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم
قوله تعالى : ( ويكون الرسول عليكم شهيدا ) لم يبين هنا هل هو شهيد عليهم في الدنيا أو الآخرة ؟ ولكنه بين في موضع آخر : أنه شهيد عليهم في الآخرة وذلك في قوله : (
فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا ) [ 4 \ 41 ، 42 ] .
قوله تعالى : (
وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم ) الآية ، ظاهر هذه الآية قد يتوهم منه الجاهل أنه تعالى يستفيد بالاختبار علما لم يكن يعلمه - سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا - بل هو تعالى عالم بكل ما سيكون قبل أن يكون ، وقد بين أنه لا يستفيد بالاختبار علما لم يكن يعلمه بقوله جل وعلا : (
وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور ) [ 3 \ 154 ] فقوله : (
والله عليم بذات الصدور ) بعد قوله : ( ليبتلي ) دليل قاطع على أنه لم يستفد بالاختبار شيئا لم يكن عالما به ، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ; لأن العليم بذات الصدورغني عن الاختبار وفي هذه الآية بيان عظيم لجميع الآيات التي يذكر الله فيها اختباره لخلقه ، ومعنى (
إلا لنعلم ) أي : علما يترتب عليه الثواب والعقاب فلا ينافي أنه كان عالما به قبل ذلك ، وفائدة الاختبار ظهور الأمر للناس . أما عالم السر والنجوى فهو عالم بكل ما سيكون كما لا يخفى .
وقوله : (
من يتبع الرسول ) أشار إلى أن الرسول هو
محمد - صلى الله عليه وسلم - بقوله مخاطبا له : (
وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ) الآية ; لأن هذا الخطاب له إجماعا .
قوله تعالى : (
وما كان الله ليضيع ) أي : صلاتكم إلى
بيت المقدس على الأصح ، ويستروح ذلك من قوله قبله : (
وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ) ولا سيما على القول باعتبار دلالة الاقتران ، والخلاف فيها معروف في الأصول .