تنبيه .
اعلم أنه - صلى الله عليه وسلم - مر
بالحجر المذكور في هذه الآية في طريقه في غزوة
تبوك ، فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه في غزوة
تبوك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007790لما مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحجر ، قال : " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم ، إلا أن تكونوا باكين " ، ثم قنع رأسه ، وأسرع السير حتى أجاز الوادي " ، هذا لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007791أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزل الحجر في غزوة تبوك ، أمرهم ألا يشربوا من بئرها ولا يستقوا منها ، فقالوا : قد عجنا منها واستقينا ، فأمرهم أن يطرحوا ذلك العجين ، ويهرقوا ذلك الماء " . ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : ويروى عن
سبرة بن معبد وأبي الشموس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بإلقاء الطعام ، ثم قال : وقال
أبو ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007792من اعتجن بمائه " .
ثم ساق بسنده ، عن
نافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه أخبره :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007793أن الناس نزلوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرض ثمود الحجر واستقوا من بئرها ، واعتجنوا به ، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يهرقوا ما استقوا من بيارهم ، وأن يعلفوا الإبل العجين ، وأمرهم أن يستسقوا من البئر التي تردها الناقة " .
ثم قال : تابعه
أسامة ، عن
نافع ، ثم ساق بسنده ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله ، عن أبيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007794أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مر بالحجر قال : " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا ، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم " ، ثم تقنع بردائه وهو على الرحل .
ثم ساق أيضا بسنده ، عن
سالم : أن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007795قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم ، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم " ، هذا كله لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه . وقال
ابن حجر في الفتح : أما حديث
سبرة بن معبد فوصله
أحمد [ ص: 291 ] nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني من طريق
عبد العزيز بن الربيع بن سبرة بن معبد ، عن أبيه ، عن جده
سبرة - وهو بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة - الجهني ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007796قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه حين راح من الحجر : " من كان عجن منكم من هذا الماء عجينة أو حاس حيسا ; فليلقه " ، وليس
لسبرة بن معبد في
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري إلا هذا الموضع . وأما حديث
أبي الشموس - وهو بمعجمة ثم مهملة - ، وهو بكري لا يعرف اسمه - فوصله
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الأدب المفرد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني وابن منده من طريق
سليم بن مطير ، عن أبيه ، عنه ، قال : " كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . . . . . . . فذكر الحديث وفيه : فألقى ذو العجين عجينه ، وذو الحيس حيسه " . ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=12510ابن أبي عاصم من هذا الوجه ، وزاد : "
فقلت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قد حست حيسة فألقمها راحلتي ؟ قال : نعم " .
وقال
ابن حجر أيضا : قوله : وقال
أبو ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " من اعتجن بمائه " وصله
البزار من طريق
عبد الله بن قدامة عنه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003061أنهم كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، فآتوا على واد ، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - " إنكم بواد ملعون فأسرعوا " وقال : " من اعتجن عجينة ، أو طبخ قدرا ; فليكبها " . الحديث . قال : لا أعلمه إلا بهذا الإسناد . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في تفسير قوله تعالى :
ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين [ 15 \ 80 ] ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007798أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحاب الحجر : " لا تدخلوا على هؤلاء القوم إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم ; أن يصيبكم مثل ما أصابهم " وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أيضا ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في كتاب الصلاة ، في باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007799أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين ، إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم ; لا يصيبكم ما أصابهم " . وبعض هذه الروايات التي ذكرناها عن
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أخرجه
مسلم أيضا في صحيحه ، فقد اتفقا على النهي عن دخول ديارهم إلا في حال البكاء ، وعلى إسراعه - صلى الله عليه وسلم - حتى جاوز ديارهم . وفي هذه الروايات الصحيحة النهي عن الدخول إلى مواضع الخسف والعذاب إلا في حالة البكاء ، وفيها الإسراع بمجاوزتها ، وعدم الاستسقاء من مياهها ، وعدم أكل الطعام الذي عجن بها ، ومن هنا قال بعض العلماء : لا يجوز التطهر بمائها ، ولا تصح الصلاة فيها ; لأن ماءها لما لم يصلح للأكل والشرب ، علم أنه غير صالح للطهارة التي هي تقرب إلى الله تعالى .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه : باب
الصلاة في مواضع الخسف والعذاب : " ويذكر أن
عليا - رضي الله عنه - كره
الصلاة بخسف بابل . وقال
ابن حجر في الفتح : هذا الأثر رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة من
[ ص: 292 ] طريق
عبد الله بن أبي المحل - وهو بضم الميم وكسر المهملة وتشديد اللام - ، قال " كنا مع
علي فمررنا على الخسف الذي
ببابل ، فلم يصل حتى أجازه - أي : تعداه - " ومن طريق أخرى ، عن
علي ، قال : " ما كنت لأصلي بأرض خسف الله بها ثلاث مرار " . والظاهر أن قوله ثلاث مرار ليس متعلقا بالخسف ; لأنه ليس فيها إلا خسف واحد . وإنما أراد أن
عليا قال ذلك ثلاثا . ورواه
أبو داود مرفوعا من وجه آخر عن
علي ولفظه : " نهاني حبيبي - صلى الله عليه وسلم - أن أصلي في أرض
بابل ; فإنها ملعونة " في إسناده ضعف ، واللائق بتعليق المصنف ما تقدم ، والمراد بالخسف هنا ما ذكره الله تعالى في قوله :
فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم الآية [ 16 \ 26 ] ، ذكر أهل التفسير والأخبار : أن المراد بذلك أن
النمروذ بن كنعان بنى
ببابل بنيانا عظيما ، يقال : إن ارتفاعه كان خمسة آلاف ذراع فخسف الله بهم . قال
الخطابي : " لا أعلم أحدا من العلماء حرم الصلاة في أرض
بابل " انتهى . محل الغرض من فتح الباري .
وقول
الخطابي يعارضه ما رأيته عن
علي - رضي الله عنه - ، ولكنه يشهد له عموم الحديث الصحيح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007800وجعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا " ، وحديث
أبي داود المرفوع ، عن
علي الذي أشار له
ابن حجر : أن فيه ضعفا هو قوله : " حدثنا
سليمان بن داود ، أخبرنا
ابن وهب ، قال حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة ،
ويحيى بن أزهر ، عن
عمار بن سعد المرادي ، عن
أبي صالح الغفاري :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007801أن عليا - رضي الله عنه - مر ببابل وهو يسير ، فجاءه المؤذن يؤذنه بصلاة العصر . فلما برز منها أمر المؤذن فأقام الصلاة ، فلما فرغ منها قال : " إن حبيبي - صلى الله عليه وسلم - نهاني أن أصلي في المقبرة ، ونهاني أن أصلي في أرض بابل ; فإنها ملعونة " .
حدثنا
أحمد بن صالح ، ثنا
ابن وهب ، أخبرني
يحيى بن أزهر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16457وابن لهيعة ، عن
الحجاج بن شداد ، عن
أبي صالح الغفاري ، عن
علي بمعنى
سليمان بن داود ، قال : " فلما خرج - مكان فلما برز - اهـ .
وقد يظهر للناظر في إسنادي هذا الحديث أنه لا يقل عن درجة القبول ، ولكن فيه علة خفية نبه عليها
ابن يونس ، أما كونه لا يقل عن درجة القبول ; فلأن طريقته الأولى أول طبقاتها :
سليمان بن داود ولا خلاف في كونه ثقة ، وفي الثانية :
أحمد بن صالح مكان
سليمان المذكور ،
وأحمد بن صالح ثقة حافظ . وكلام
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي فيه غلط مردود عليه ، كما قال
العراقي في ألفيته :
وربما رد كلام الجارح كالنسائي في أحمد بن صالح
وسبب غلطه في ذلك أن
nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين كذب
أحمد بن صالح الشموني . فظن
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي أن
[ ص: 293 ] مراد ابن معين أحمد بن صالح هذا الذي هو
أبو جعفر بن الطبري المصري ، وليس كذلك كما جزم به
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان .
والطبقة الثانية في كلا الإسنادين :
ابن وهب وهو :
nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي ، مولاهم
أبو محمد المصري ثقة حافظ عابد مشهور .
والطبقة الثالثة من الإسنادين :
يحيى بن أزهر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16457وعبد الله بن لهيعة ،
ويحيى بن أزهر البصري مولى قريش صدوق ،
nindex.php?page=showalam&ids=16457وعبد الله بن لهيعة صدوق خلط بعد احتراق كتبه . والظاهر أن اعتضاد أحدهما بالآخر لا يقل عن درجة الحسن . ويؤيد ذلك أن راوي الحديث
ابن وهب ومعلوم أن رواية
ابن وهب ،
nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة ، أعدل من رواية غيرهما عنه .
والطبقة الرابعة في الإسناد الأول :
عمار بن سعد المرادي . وفي الإسناد الثاني :
الحجاج بن شداد ،
وعمار بن سعد المرادي ، ثم
السلهمي ،
والحجاج بن شداد الصنعاني نزيل
مصر ، كلاهما مقبول كما قاله
ابن حجر في التقريب ، واعتضاد أحدهما بالآخر لا يقل عن درجة الحسن .
والطبقة الخامسة في كلا الإسنادين :
أبو صالح الغفاري وهو سعيد بن عبد الرحمن ، وعداده في
أهل مصر ، وهو ثقة .
والطبقة السادسة في كليهما : أمير المؤمنين
علي - رضي الله عنه - ، فالذي يظهر صلاحية الحديث للاحتجاج ، ولكنه فيه علة خفية ذكرها
ابن يونس ، وهي : أن رواية
أبي صالح الغفاري ، عن
علي مرسلة ، كما ذكره
ابن حجر في التقريب . وقال
البيهقي في السنن الكبرى : " باب من كره الصلاة في موضع الخسف والعذاب ، " أنبأ
أبو علي الروذباري ، أنبأ
nindex.php?page=showalam&ids=13136أبو بكر بن داسة ، ثنا
أبو داود ، ثم ساق حديث
أبي داود المذكور آنفا بلفظه في المتن والإسنادين . ثم قال : وروينا عن
عبد الله بن أبي محل العمري ، قال : كنا مع
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، فمر بنا على الخسف الذي
ببابل فلم يصل حتى أجازه . وعن
حجر الحضرمي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : " ما كنت لأصلي بأرض خسف الله بها ثلاث مرات " . ثم قال
البيهقي : وهذا النهي عن الصلاة فيها إن ثبت مرفوعا ليس لمعنى يرجع إلى الصلاة ; فلو صلى فيها لم يعد ، ثم ساق
البيهقي بعض روايات حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر الذي قدمنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم ، ثم قال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحب الخروج من تلك المساكن ، وكره المقام فيها إلا باكيا ، فدخل في ذلك المقام للصلاة وغيرها . اهـ .
[ ص: 294 ] وهذا الذي ذكرنا هو حاصل ما جاء في
الصلاة في مواضع الخسف والتطهر بمياهها ، فذهب بعض أهل العلم إلى أن الصلاة بها صحيحة والتطهر بمائها مجزئ ، واستدلوا بعموم النصوص كقوله - صلى الله عليه وسلم - : " وجعلت لي الأرض كلها مسجدا " الحديث . وكعموم الأدلة على رفع الحدث ، وحكم الخبث بالماء المطلق . وذهب بعض أهل العلم إلى أنها لا تجوز الصلاة فيها ، ولا تصح الطهارة بمائها ، واستدلوا بحديث علي المرفوع : أن حبيبه - صلى الله عليه وسلم - نهاه عن الصلاة في خسف
بابل ; لأنها أرض ملعونة . قالوا : والنهي يقتضي الفساد ; لأن ما نهى عنه - صلى الله عليه وسلم - ليس من أمرنا ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007802ومن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد كما ثبت في الحديث . واحتجوا لعدم الطهارة بمائها بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - منع من استعماله في الأكل والشرب وهما ليسا بقربة . فدل ذلك على منع الطهارة به من باب أولى .
قال مقيده - عفا الله عنه - : الذي يظهر لنا رجحانه ; أن من مر عليها ينبغي له أن يسرع في سيره حتى يخرج منه ، كفعله - صلى الله عليه وسلم - وفعل صهره ، وابن عمه ،
وأبي سبطيه - رضي الله عنهم - جميعا ، وأنه لا يدخل إلا باكيا للحديث الصحيح . فلو نزل فيها وصلى فالظاهر صحة صلاته إذ لم يقم دليل صحيح بدلالة واضحة على بطلانها ، والحكم ببطلان العبادة يحتاج إلى نص قوي المتن والدلالة . والعلم عند الله تعالى .