قوله تعالى : فلا تستعجلوه ، نهى الله - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة عن استعجال ما وعد به من الهول والعذاب يوم القيامة ، والاستعجال هو طلبهم أن يعجل لهم ما يوعدون به من العذاب يوم القيامة .
والآيات الموضحة لهذا المعنى كثيرة ، كقوله - جل وعلا - :
ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون " [ 29 \ 53 ] ، وقوله :
يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين [ 29 \ 54 ] ، وقوله :
يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها [ 42 \ 18 ] ، وقوله :
ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه الآية [ 11 \ 8 ] ، وقوله :
وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب [ 38 \ 16 ] ،
[ ص: 327 ] وقوله :
قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون [ 10 \ 50 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
والضمير في قوله :
فلا تستعجلوه [ 16 \ 1 ] في تفسيره وجهان :
أحدهما : أنه العذاب الموعد به يوم القيامة ، المفهوم من قوله :
أتى أمر الله [ 16 \ 1 ] .
والثاني : أنه يعود إلى الله ; أي : لا تطلبوا من الله أن يعجل لكم العذاب . قال : معناه
ابن كثير .
وقال
القرطبي في تفسيره : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لما نزلت :
اقتربت الساعة وانشق القمر [ 54 \ 1 ] ، قال الكفار : إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت ! فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون ، فأمسكوا فانتظروا فلم يروا شيئا ، فقالوا : ما نرى شيئا ! فنزلت :
اقترب للناس حسابهم الآية [ 21 \ 1 ] ، فأشفقوا وانتظروا قرب الساعة ; فامتدت الأيام ، فقالوا : ما نرى شيئا ، فنزلت :
أتى أمر الله [ 16 \ 1 ] ، فوثب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون وخافوا ، فنزلت :
فلا تستعجلوه فاطمأنوا . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " بعثت أنا والساعة كهاتين " ، وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها " . اه محل الغرض من كلام
القرطبي ، وهو يدل على أن المراد بقوله :
فلا تستعجلوه ، أي : لا تظنوه واقعا الآن عن عجل ، بل هو متأخر إلى وقته المحدد له عند الله تعالى .
وقول
الضحاك ومن وافقه : إن معنى :
أتى أمر الله ، أي : فرائضه وحدوده ، قول مردود ولا وجه له ، وقد رده الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري في تفسيره قائلا : إنه لم يبلغنا أن أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعجل فرائض قبل أن تفرض عليهم ، فيقال لهم من أجل ذلك : قد جاءتكم فرائض الله فلا تستعجلوها . أما مستعجلو العذاب من المشركين فقد كانوا كثيرا . اه .
والظاهر المتبادر من الآية الكريمة : أنها تهديد للكفار باقتراب العذاب يوم القيامة مع نهيهم عن استعجاله .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير في تفسيره : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : هو تهديد من الله لأهل الكفر به وبرسوله ، وإعلام منه لهم قرب العذاب منهم والهلاك ، وذلك
[ ص: 328 ] أنه عقب ذلك بقوله :
سبحانه وتعالى عما يشركون [ 16 \ 1 ] ، فدل بذلك على تقريعه المشركين به ووعيده لهم . اه .