قوله تعالى :
ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده .
أظهر الأقوال في معنى الروح في هذه الآية الكريمة : أن المراد بها الوحي ; لأن الوحي به حياة الأرواح ، كما أن الغذاء به حياة الأجسام . ويدل لهذا قوله تعالى :
وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان [ 42 \ 52 ] ، وقوله :
رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار [ 40 \ 15 ، 16 ] .
ومما يدل على أن المراد بالروح الوحي ; إتيانه بعد قوله :
ينزل الملائكة بالروح [ 16 \ 2 ] بقوله :
أن أنذروا [ 16 \ 2 ] ; لأن الإنذار إنما يكون بالوحي ، بدليل قوله :
قل إنما أنذركم بالوحي الآية [ 21 \ 45 ] ، وكذلك إتيانه بعد قوله :
يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده [ 40 \ 15 ] ، بقوله :
لينذر يوم التلاق الآية [ 40 \ 15 ] ; لأن الإنذار إنما يكون بالوحي أيضا . وقرأ هذا الحرف
ابن كثير وأبو عمرو : " ينزل " - بضم الياء وإسكان النون وتخفيف الزاي - . والباقون بالضم والتشديد . ولفظة : " من " [ 16 \ 2 ] في الآية تبعيضية ، أو لبيان الجنس .
وقوله :
على من يشاء من عباده [ 26 \ 2 ] ، أي : ينزل الوحي على من اختاره وعلمه أهلا لذلك .
كما بينه تعالى بقوله :
الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس [ 22 \ 75 ] ، وقوله :
الله أعلم حيث يجعل رسالته [ 6 \ 124 ] ، وقوله :
يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده [ 40 \ 15 ] ، وقوله :
بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده [ 2 \ 90 ] .
وهذه الآيات وأمثالها رد على الكفار في قولهم :
لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [ 43 \ 31 ] .