وقوله - جل وعلا - :
فإذا هو خصيم مبين [ 16 \ 4 ] ، أظهر القولين فيه : أنه ذم للإنسان المذكور . والمعنى : خلقناه ليعبدنا ويخضع لنا ويطيع ، ففاجأ بالخصومة والتكذيب ، كما تدل عليه : " إذا " الفجائية . ويوضح هذا المعنى قوله :
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [ 51 \ 56 ] ، مع قوله - جل وعلا - :
أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم [ 36 \ 77 - 79 ] ، وقوله :
وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا [ 25 \ 54 ] ، وقوله :
ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا [ 19 \ 66 - 67 ] إلى غير ذلك من الآيات . وسيأتي - إن شاء الله تعالى - زيادة إيضاح لهذا المبحث في " سورة الطارق " .
[ ص: 332 ] تنبيه .
اختلف علماء العربية في : " إذا " الفجائية ; فقال بعضهم : هي حرف . وممن قال به
الأخفش . قال
ابن هشام في " المغني " : ويرجح هذا القول قولهم : خرجت فإذا إن زيدا بالباب ( بكسر إن ) ; لأن " إن " - المكسورة - لا يعمل ما بعدها فيما قبلها . وقال بعضهم : هي ظرف مكان . وممن قال به
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد . وقال بعضهم : هي ظرف زمان . وممن قال به
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج . والخصيم : صيغة مبالغة ، أي : شديد الخصومة . وقيل : الخصيم المخاصم . وإتيان الفعيل بمعنى المفاعل كثير في كلام العرب ، كالقعيد بمعنى المقاعد ، والجليس بمعنى المجالس ، والأكيل بمعنى المؤاكل ، ونحو ذلك .
وقوله : " مبين " [ 16 \ 4 ] الظاهر أنه اسم فاعل أبان اللازمة ، بمعنى بان وظهر ; أي بين الخصومة . ومن إطلاق أبان بمعنى بان قول
جرير :
إذا آباؤنا وأبوك عدوا أبان المقرفات من العراب
أي : ظهر . وقول
nindex.php?page=showalam&ids=16675عمر بن أبي ربيعة المخزومي :
لو دب ذر فوق ضاحي جلدها لأبان من آثارهن حدور
يعني : لظهر من آثارهن ورم في الجلد . وقيل : من أبان المتعدية والمفعول محذوف ; أي : مبين خصومته ومظهر لها . والعلم عند الله تعالى .