المسألة الرابعة : اعلم أن ظاهر هذه الآية الكريمة يدل على أنه يجوز للرجل أن
يلبس الثوب المكلل باللؤلؤ والمرجان ; لأن الله - جل وعلا - قال فيها في معرض الامتنان العام على خلقه عاطفا على الأكل :
وتستخرجوا منه حلية تلبسونها [ 16 \ 14 ] ، وهذا الخطاب خطاب الذكور كما هو معروف . ونظير ذلك قوله تعالى في سورة فاطر :
ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها [ 35 \ 12 ] ، وقال
القرطبي في تفسيره : امتن الله سبحانه على الرجال والنساء امتنانا عاما بما يخرج من البحر ، فلا يحرم عليهم شيء منه ، وإنما حرم تعالى على الرجال الذهب والحرير . وقال صاحب الإنصاف : يجوز للرجل والمرأة التحلي بالجوهر ونحوه ، وهو الصحيح من المذهب . وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز للرجل أن يلبس الثوب المكلل باللؤلؤ مثلا ، ولا أعلم للتحريم مستندا إلا عموم الأحاديث الواردة بالزجر البالغ عن
تشبه الرجال بالنساء ، كالعكس ! قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه : " باب المتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال " : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16937محمد بن جعفر ، حدثنا
شعبة ، عن
قتادة ، عن
عكرمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - ، قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007863لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال " . فهذا الحديث نص صريح في أن تشبه الرجال بالنساء حرام ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يلعن أحدا إلا على ارتكاب حرام شديد الحرمة . ولا شك أن الرجل إذ لبس اللؤلؤ والمرجان فقد تشبه بالنساء . فإن قيل : يجب تقديم الآية على هذا الحديث ، وما جرى مجراه من الأحاديث من وجهين :
الأول : أن الآية نص متواتر ، والحديث المذكور خبر آحاد ، والمتواتر مقدم على الآحاد .
[ ص: 350 ] الثاني : أن الحديث عام في كل أنواع التشبه بالنساء ، والآية خاصة في إباحة الحلية المستخرجة من البحر ، والخاص مقدم على العام ؟ فالجواب : أنا لم نر من تعرض لهذا . والذي يظهر لنا - والله تعالى أعلم - : أن الآية الكريمة وإن كانت أقوى سندا وأخص ، في محل النزاع ; فإن الحديث أقوى دلالة على محل النزاع منها ; وقوة الدلالة في نص صالح للاحتجاج على محل النزاع أرجح من قوة السند ; لأن قوله :
وتستخرجوا منه حلية تلبسونها [ 16 \ 14 ] ، يحتمل معناه احتمالا قويا : أن وجه الامتنان به أن نساءهم يتجملن لهم به ، فيكون تلذذهم وتمتعهم بذلك الجمال والزينة الناشئ عن تلك الحلية من نعم الله عليهم ، وإسناد اللباس إليهم لنفعهم به ، وتلذذهم بلبس أزواجهم له ، بخلاف الحديث فهو نص صريح غير محتمل في
لعن من تشبه بالنساء ، ولا شك أن المتحلي باللؤلؤ مثلا متشبه بهن ; فالحديث يتناوله بلا شك . وقال
ابن حجر في فتح الباري في الكلام على الحديث المذكور ، واستدل به على أنه يحرم على الرجال لبس الثوب المكلل باللؤلؤ ، وهو واضح ، لورود علامات التحريم وهو لعن من فعل ذلك : وأما قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ولا أكره للرجل لبس اللؤلؤ ، إلا لأنه من زي النساء ، فليس مخالفا لذلك ; لأن مراده أنه لم يرد في النهي عنه بخصوصه شيء .