قوله تعالى :
وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون وعلامات وبالنجم هم يهتدون ، ذكر - جل وعلا - في هاتين الآيتين أربع نعم من نعمه على خلقه ، مبينا لهم عظيم منته عليهم بها :
الأولى : إلقاؤه الجبال في الأرض لتثبت ولا تتحرك ، وكرر الامتنان بهذه النعمة في
[ ص: 361 ] القرآن كقوله :
ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا [ 78 \ 6 - 7 ] ، وقوله :
وجعلنا في الأرض رواسي الآية [ 21 \ 31 ] ، وقوله :
وجعلنا فيها رواسي شامخات [ 77 \ 27 ] ، وقوله - جل وعلا - :
خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم الآية [ 31 \ 10 ] ، وقوله :
والجبال أرساها [ 79 \ 32 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا .
ومعنى تميد : تميل وتضطرب .
وفي معنى قوله أن وجهان معروفان للعلماء : أحدهما : كراهة أن تميد بكم . والثاني : أن المعنى : لئلا تميد بكم ; وهما متقاربان .
الثانية : إجراؤه الأنهار في الأرض المذكور هنا في قوله : وأنهارا [ 16 \ 15 ] ، وكرر - تعالى - في القرآن الامتنان بتفجيره الماء في الأرض لخلقه : كقوله :
وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر الآية [ 14 \ 32 - 33 ] ، وقوله :
أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون [ 56 \ 68 - 70 ] ، وقوله :
وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره الآية [ 36 \ 34 - 35 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
الثالثة : جعله في الأرض سبلا يسلكها الناس ، ويسيرون فيها من قطر إلى قطر في طلب حاجاتهم المذكور هنا في قوله : وسبلا ، وهو جمع سبيل بمعنى الطريق . وكرر الامتنان بذلك في القرآن ; كقوله :
وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون [ 21 \ 31 ] ، وقوله :
والله جعل لكم الأرض بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا [ 71 \ 19 ] ، وقوله :
قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا [ 20 \ 52 ، 53 ] .
وقوله :
هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها الآية [ 67 \ 15 ] ، وقوله :
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون [ 43 \ 9 - 10 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
الرابعة : جعله العلامات لبني آدم ; ليهتدوا بها في ظلمات البر والبحر المذكور هنا في قوله :
وعلامات وبالنجم هم يهتدون [ 16 \ 16 ] ، وقد ذكر الامتنان بنحو ذلك في
[ ص: 362 ] القرآن في قوله :
وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر الآية [ 6 \ 97 ] .