قوله تعالى :
جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين .
ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن المتقين يدخلون يوم القيامة جنات عدن . والعدن في لغة العرب : الإقامة . فمعنى " جنات عدن " : جنات إقامة في النعيم ، لا يرحلون عنها ، ولا يتحولون .
وبين في آيات كثيرة : أنهم مقيمون في الجنة على الدوام ، كما أشار له هنا بلفظة " عدن " ، كقوله :
لا يبغون عنها حولا [ 18 \ 108 ] ، وقوله :
الذي أحلنا دار المقامة من فضله الآية [ 35 \ 35 ] ، والمقامة : الإقامة . وقد تقرر في التصريف : أن الفعل إذا زاد على ثلاثة أحرف فالمصدر الميمي منه ، واسم الزمان ، واسم المكان كلها بصيغة اسم المفعول . وقوله :
إن المتقين في مقام أمين [ 44 \ 51 ] ، على قراءة
نافع وابن عامر بضم الميم من الإقامة . وقوله :
ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا [ 18 \ 2 - 3 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
وقوله في هذه الآية الكريمة :
تجري من تحتها الأنهار [ 16 \ 31 ] .
بين أنواع تلك الأنهار في قوله :
فيها أنهار من ماء غير آسن ، إلى قوله
من عسل مصفى [ 47 \ 15 ] ، وقوله هنا :
لهم فيها ما يشاءون [ 16 \ 31 ] ، أوضحه في مواضع أخر ; كقوله :
لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد [ 50 \ 35 ] ، وقوله :
وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون [ 43 \ 71 ] ، وقوله :
لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا ، وقوله :
لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين [ 39 \ 34 ] ، وقوله :
ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم [ 41 \ 31 - 32 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
وقوله في هذه الآية :
كذلك يجزي الله المتقين [ 16 \ 31 ] .
يدل على أن
تقوى الله هو السبب الذي به تنال الجنة .
وقد أوضح تعالى هذا المعنى في مواضع أخر ; كقوله :
تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا [ 19 \ 63 ] ، وقوله :
وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين [ 3 \ 133 ] ، وقوله :
إن المتقين في جنات وعيون [ ص: 373 ] [ 15 \ 45 ] ، وقوله :
إن المتقين في جنات ونعيم [ 52 \ 17 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .