قوله تعالى :
إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه لا يتعاصى على قدرته شيء ، وإذ يقول للشيء : " كن " ، فيكون بلا تأخير . وذلك أن الكفار لما :
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت [ 16 \ 38 ] ، ورد الله عليهم كذبهم بقوله :
بلى وعدا عليه حقا ، بين أنه قادر على كل شيء ، وأنه كلما قال لشيء " كن " كان .
وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر ; كقوله في الرد على من قال :
من يحيي العظام وهي رميم [ 36 \ 78 ] :
إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون [ 36 \ 82 ] .
وبين أنه لا يحتاج أن يكرر قوله : " كن " ، بل إذا قال للشيء " كن " مرة واحدة ، كان في أسرع من لمح البصر ، في قوله :
وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر [ 54 \ 50 ] ، ونظيره قوله :
وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير [ 16 \ 77 ] ، وقال تعالى :
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الآية [ 3 \ 59 ] ، وقال :
خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة [ 31 \ 28 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
وعبر تعالى عن المراد قبل وقوعه باسم الشيء ; لأن تحقق وقوعه كالوقوع بالفعل ، فلا تنافي الآية إطلاق الشيء على خصوص الموجود دون المعدوم ; لأنه لما سبق في علم الله أنه يوجد ذلك الشيء ، وأنه يقول له كن فيكون كان تحقق وقوعه بمنزلة وقوعه ; أو لأنه أطلق عليه اسم الشيء باعتبار وجوده المتوقع ، كتسمية العصير خمرا في قوله :
إني أراني أعصر خمرا [ 12 \ 36 ] ، نظرا إلى ما يؤول إليه في ثاني حال . وقرأ هذا الحرف
ابن عامر nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي " فيكون " [ 16 \ 40 ] ، بفتح النون منصوبا بالعطف على قوله : أن نقول . وقيل :
[ ص: 378 ] منصوب بأن المضمرة بعد الفاء في جواب الأمر . وقرأ الباقون بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : فهو يكون . ولقد أجاد من قال :
إذا ما أراد الله أمرا فإنما يقول له كن قولة فيكون
واللام في قوله : " لشيء " ، وقوله : " له " للتبليغ . قاله
أبو حيان .