قوله تعالى :
لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون ، في هذا الحرف قراءتان سبعيتان ، وقراءة ثالثة غير سبعية . قرأه عامة السبعة ما عدى
نافعا :
مفرطون ، بسكون الفاء وفتح الراء بصيغة اسم المفعول ; من أفرطه . وقرأ
نافع بكسر الراء بصيغة اسم الفاعل ; من أفرط . والقراءة التي ليست بسبعية بفتح الفاء وكسر الراء المشددة بصيغة اسم الفاعل من فرط المضعف ، وتروى هذه القراءة عن
أبي جعفر . وكل هذه القراءات لها مصداق في كتاب الله .
أما على قراءة الجمهور :
مفرطون ، بصيغة المفعول فهو اسم مفعول أفرطه : إذا
[ ص: 395 ] نسيه وتركه غير ملتفت إليه ; فقوله :
مفرطون ، أي : متروكون منسيون في النار . ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى :
فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا [ 7 \ 51 ] ، وقوله :
فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد الآية [ 32 \ 14 ] ، وقوله :
وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار الآية [ 45 \ 34 ] ، فالنسيان في هذه الآيات معناه : الترك في النار . أما النسيان بمعنى زوال العلم : فهو مستحيل على الله ; كما قال تعالى :
وما كان ربك نسيا [ 19 \ 64 ] ، وقال :
قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى [ 20 \ 52 ] .
وممن قال بأن معنى :
مفرطون ، منسيون متركون في النار :
مجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12585وابن الأعرابي ،
وأبو عبيدة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء ، وغيرهم .
وقال بعض العلماء : معنى قوله :
مفرطون ، على قراءة الجمهور : أي : مقدمون إلى النار معجلون ; من أفرطت فلانا وفرطته في طلب الماء ، إذا قدمته ، ومنه حديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007899أنا فرطكم على الحوض " ، أي : متقدمكم . ومنه قول
القطامي : فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا كما تقدم فراط لرواد .
وقول
الشنفرى :
هممت وهمت فابتدرنا وأسبلت وشمر مني فارط متمهل
أي : متقدم إلى الماء . وعلى قراءة
نافع فهو اسم فاعل أفرط في الأمر : إذا أسرف فيه وجاوز الحد . ويشهد لهذه القراءة قوله :
وأن المسرفين هم أصحاب النار [ 40 \ 43 ] ، ونحوها من الآيات . وعلى قراءة
أبي جعفر ، فهو اسم فاعل ، فرط في الأمر : إذا ضيعه وقصر فيه ، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى :
أن تقول نفس ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله الآية [ 39 \ 56 ] ، فقد عرفت أوجه القراءات في الآية ، وما يشهد له القرآن منها .
وقوله : لا جرم ، أي : حقا أن لهم النار . وقال
القرطبي في تفسيره : لا رد لكلامهم وتم الكلام ، أي : ليس كما تزعمون وجرم أن لهم النار حقا أن لهم النار ! وقال بعض العلماء : " لا " صلة ، و " جرم " بمعنى كسب ; أي : كسب لهم عملهم أن لهم النار .