قوله تعالى :
وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه ، بين - جل وعلا - في هذه الآية
[ ص: 396 ] الكريمة : أن في الأنعام عبرة دالة على تفرد من خلقها ، وأخلص لبنها من بين فرث ودم ; بأنه هو وحده المستحق لأن يعبد ، ويطاع ولا يعصى . وأوضح هذا المعنى أيضا في غير هذا الموضع ; كقوله :
وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون [ 23 \ 21 ] ، وقوله :
والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون [ 16 \ 5 ] ، وقوله :
أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون [ 36 \ 71 - 73 ] ، وقوله :
أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت [ 88 \ 17 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
وقد دلت الآيات المذكورة على أن الأنعام يصح تذكيرها وتأنيثها ; لأنه ذكرها هنا في قوله :
نسقيكم مما في بطونه [ 16 \ 66 ] ، وأنثها في " سورة : قد أفلح المؤمنون " في قوله :
نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة [ 23 \ 21 ] ، ومعلوم في العربية : أن أسماء الأجناس يجوز فيها التذكير نظرا إلى اللفظ ، والتأنيث نظرا إلى معنى الجماعة الداخلة تحت اسم الجنس . وقد جاء في القرآن تذكير الأنعام وتأنيثها كما ذكرناه آنفا . وجاء فيه تذكير النخل وتأنيثها ; فالتذكير في قوله :
كأنهم أعجاز نخل منقعر [ 54 \ 20 ] ، والتأنيث في قوله :
كأنهم أعجاز نخل خاوية [ 69 \ 7 ] ، ونحو ذلك . وجاء في القرآن تذكير السماء وتأنيثها ; فالتذكير في قوله :
السماء منفطر به [ 73 \ 18 ] ، والتأنيث في قوله :
والسماء بنيناها بأيد الآية [ 51 \ 47 ] ، ونحو ذلك من الآيات . وهذا معروف في العربية ، ومن شواهده قول
قيس بن الحصين الحارثي الأسدي وهو صغير في تذكير النعم :
في كل عام نعم تحوونه يلقحه قوم وتنتجونه .
وقرأ هذا الحرف
نافع وابن عامر وشعبة عن
عاصم " نسقيكم " ، بفتح النون . والباقون بضمها ، كما تقدم بشواهده " في سورة الحجر " .