قوله تعالى :
ولا هم يستعتبون ، اعلم أولا : أن استعتب تستعمل في اللغة بمعنى طلب العتبى ; أي : الرجوع إلى ما يرضي العاتب ويسره . وتستعمل أيضا في اللغة بمعنى أعتب : إذا أعطى العتبى ، أي : رجع إلى ما يحب العاتب ويرضى ، فإذا علمت ذلك فاعلم أن في قوله : ولا هم يستعتبون [ 16 \ 84 ] ، وجهين من التفسير متقاربي المعنى .
[ ص: 423 ] قال بعض أهل العلم : ولا هم يستعتبون ، أي : لا تطلب منهم العتبى ، بمعنى لا يكلفون أن يرضوا ربهم ; لأن الآخرة ليست بدار تكليف ، فلا يردون إلى الدنيا ليتوبوا .
وقال بعض العلماء : ولا هم يستعتبون ، أي : يعتبون ، بمعنى يزال عنهم العتب ، ويعطون العتبى وهي الرضا ; لأن الله لا يرضى عن القوم الكافرين . وهذا المعنى كقوله تعالى في قراءة الجمهور :
وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين [ 41 \ 24 ] ، أي : وإن يطلبوا العتبى - وهي الرضا عنهم لشدة جزعهم - فما هم من المعتبين ; بصيغة اسم المفعول ، أي : المعطين العتبى وهي الرضا عنهم ; لأن العرب تقول : أعتبه إذا رجع إلى ما يرضيه ويسره ، ومنه قول
أبي ذؤيب الهذلي :
أمن المنون وريبه تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع
أي : لا يرجع الدهر إلى مسرة من جزع ، ورضاه . وقول
النابغة :
فإن كنت مظلوما فعبد ظلمته وإن كنت ذا عتبى فمثلك يعتب
وأما قول
بشر بن أبي خازم :
غضبت تميم أن تقتل عامر يوم النسار فأعتبوا بالصيلم
يعني : أعتبناهم بالسيف ، أي : أرضيناهم بالقتل ; فهو من قبيل التهكم ، كقول
عمرو بن معدي كرب :
وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع
لأن القتل ليس بإرضاء ، والضرب الوجيع ليس بتحية .
وأما على قراءة من قرأ :
وإن يستعتبوا [ 41 \ 24 ] ، بالبناء للمفعول
فما هم من المعتبين [ 41 \ 24 ] ، بصيغة اسم الفاعل ، فالمعنى : أنهم لو طلبت منهم العتبى وردوا إلى الدنيا ليعملوا بطاعة الله وطاعة رسله ، " فما هم من المعتبين " أي : الراجعين إلى ما يرضي ربهم ، بل يرجعون إلى كفرهم الذي كانوا عليه أولا . وهذه القراءة كقوله تعالى :
ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون [ 6 \ 28 ] .