قوله تعالى :
الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ، اعلم أولا أن " صد " تستعمل في اللغة العربية استعمالين أحدهما : أن تستعمل متعدية إلى المفعول ، كقوله تعالى :
هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام . . . الآية [ 48 \ 25 ] ، ومضارع هذه المتعدية " يصد " بالضم على القياس ، ومصدرها " الصد " على القياس أيضا . والثاني : أن تستعمل " صد " لازمة غير متعدية إلى المفعول ، ومصدر هذه " الصدود " على القياس ، وفي مضارعها الكسر على القياس ، والضم على السماع ; وعليهما القراءتان السبعيتان في قوله :
إذا قومك منه يصدون [ ص: 426 ] [ 43 \ 57 ] ، بالكسر والضم .
فإذا عرفت ذلك : فاعلم أن قوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
وصدوا عن سبيل الله [ 16 \ 88 ] ، محتمل ; لأن تكون " صد " متعدية ، والمفعول محذوف لدلالة المقام عليه ; على حد قوله في الخلاصة :
وحذف فضلة أجز إن لم يضر كحذف ما سيق جوابا أو حصر
ومحتمل لأن تكون " صد " لازمة غير متعدية إلى المفعول ، ولكن في الآية الكريمة ثلاث قرائن تدل على أن " صد " متعدية ، والمفعول محذوف ، أي : وصدوا الناس عن سبيل الله .
الأولى : أنا لو قدرنا " صد " لازمة ، وأن معناها : صدودهم في أنفسهم عن الإسلام ; لكان ذلك تكرارا من غير فائدة مع قوله :
الذين كفروا [ 16 \ 88 ] ، بل معنى الآية : كفروا في أنفسهم ، وصدوا غيرهم عن الدين فحملوه على الكفار أيضا .
القرينة الثانية : قوله تعالى :
زدناهم عذابا فوق العذاب [ 16 \ 88 ] ، فإن هذه الزيادة من العذاب لأجل إضلالهم غيرهم . والعذاب المزيد فوقه : هو عذابهم على كفرهم في أنفسهم ; بدليل قوله في المضلين الذين أضلوا غيرهم :
ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم . . . الآية [ 16 \ 25 ] ، وقوله :
وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم . . . الآية [ 29 \ 13 ] ، كما تقدم إيضاحه .
القرينة الثالثة ، قوله :
بما كانوا يفسدون [ 16 \ 88 ] ، فإنه يدل على أنهم كانوا يفسدون على غيرهم مع ضلالهم في أنفسهم ، وقوله :
فوق العذاب [ 16 \ 88 ] ، أي : الذي استحقوه بضلالهم وكفرهم . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : أن هذا العذاب المزيد : عقارب أنيابها كالنخل الطوال ، وحيات مثل أعناق الإبل ، وأفاعي كأنها البخاتي تضربهم . أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منها . والعلم عند الله تعالى .