قوله تعالى :
ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء . ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه نزل على رسوله هذا الكتاب العظيم تبيانا لكل شيء . وبين ذلك في غير هذا الموضع ، كقوله :
ما فرطنا في الكتاب من شيء [ 6 \ 38 ] ، على القول بأن المراد بالكتاب فيها القرآن . أما على القول بأنه اللوح المحفوظ . فلا بيان بالآية . وعلى كل حال فلا شك أن
القرآن فيه بيان كل شيء . والسنة كلها تدخل في آية واحدة منه ; وهي قوله تعالى :
وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ 59 \ 7 ] .
وقال
السيوطي في " الإكليل " في استنباط التنزيل ، قال تعالى :
ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء [ 16 \ 89 ] ، وقال :
ما فرطنا في الكتاب من شيء [ 6 \ 38 ] ، وقال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007928 " ستكون فتن " ، قيل : وما المخرج منها ؟ قال : " كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم " ، أخرجه
الترمذي وغيره ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور في سننه : حدثنا
خديج بن معاوية ، عن
أبي إسحاق ، عن
مرة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، قال :
من أراد العلم فعليه بالقرآن ; فإن فيه خبر الأولين والآخرين . قال
البيهقي : أراد به أصول العلم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : أنزل الله مائة وأربعة كتب ، أودع علومها أربعة : التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والفرقان . ثم أودع علوم الثلاثة الفرقان ، ثم أودع علوم القرآن : المفصل ، ثم أودع علوم المفصل : فاتحة الكتاب ; فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير الكتب المنزلة . أخرجه
البيهقي في الشعب .
[ ص: 428 ] وقال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه - : جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة ، وجميع شرح السنة شرح للقرآن .
وقال بعض السلف : ما سمعت حديثا إلا التمست له آية من كتاب الله .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : ما بلغني حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على وجهه إلا وجدت مصداقه في كتاب الله . أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : إذا حدثتكم بحديث أنبأتكم بتصديقه من كتاب الله . أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أيضا : أنزل في القرآن كل علم ، وبين لنا فيه كل شيء ، ولكن علمنا يقصر عما بين لنا في القرآن . أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم .
وأخرج
أبو الشيخ في العظمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
إن الله لو أغفل شيئا لأغفل الذرة والخردلة والبعوضة " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أيضا : جميع ما حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو مما فهمه من القرآن .
قلت : ويؤيد هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007929إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه " ، رواه بهذا اللفظ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط من حديث
عائشة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أيضا : ليست تنزل بأحد في الدين نازلة إلا في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها ، فإن قيل : من الأحكام ما ثبت ابتداء بالسنة ؟ قلنا : ذلك مأخوذ من كتاب الله في الحقيقة ; لأن كتاب الله أوجب علينا اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وفرض علينا الأخذ بقوله .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي مرة
بمكة : سلوني عما شئتم ، أخبركم عنه من كتاب الله . فقيل له : ما تقول في المحرم يقتل الزنبور ؟ فقال : "
بسم الله الرحمن الرحيم " [ 1 \ 1 ] ، قال الله تعالى :
وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ 59 \ 7 ] ، وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15883ربعي بن حراش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007930 " اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر ، وعمر " ، وحدثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17074مسعر بن كدام ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : أنه أمر بقتل المحرم الزنبور .
[ ص: 429 ] وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، قال : لعن الله الواشمات والمستوشمات ، والمتنمصات والمتفلجات للحسن ، المغيرات لخلق الله ، فقالت له امرأة في ذلك . فقال : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في كتاب الله . فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ؟ ! قال : لئن قرأتيه لقد وجدتيها ! أما قرأت
وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ 59 \ 7 ] ، ؟ قالت : بلى . قال : فإنه قد نهى عنه .
وقال
ابن برجان : ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - من شيء فهو في القرآن ، أو فيه أصله قرب أو بعد ، فهمه من فهم ، أو عمه عنه من عمه ، وكذا كل ما حكم أو قضى به .
وقال غيره : ما من شيء إلا يمكن استخراجه من القرآن لمن فهمه الله تعالى ; حتى إن بعضهم استنبط عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا وستين من قوله " في سورة المنافقين " :
ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها [ 63 \ 11 ] ; فإنها رأس ثلاث وستين سورة ، وعقبها " بالتغابن " ، ليظهر التغابن في فقده .
وقال
المرسي : جمع القرآن علوم الأولين والآخرين ، بحيث لم يحط بها علما حقيقة إلا المتكلم به ، ثم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، خلا ما استأثر الله به سبحانه ، ثم ورث عنه معظم ذلك سادات الصحابة وأعلامهم ; مثل الخلفاء الأربعة ، ومثل
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس حتى قال : لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله . ثم ورث عنهم التابعون لهم بإحسان ، ثم تقاصرت الهمم ، وفترت العزائم ، وتضاءل أهل العلم ، وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه وسائر فنونه ; فنوعوا علومه ، وقامت كل طائفة بفن من فنونه .
فاعتنى قوم بضبط لغاته ، وتحرير كلماته ، ومعرفة مخارج حروفه وعددها ، وعد كلماته وآياته ، وسوره وأجزائه ، وأنصافه وأرباعه ، وعدد سجداته ، إلى غير ذلك من حصر الكلمات المتشابهة ، والآيات المتماثلة . من غير تعرض لمعانيه ، ولا تدبر لما أودع فيه . فسموا القراء .
واعتنى النحاة بالمعرب منه والمبني من الأسماء والأفعال ، والحروف العاملة وغيرها . وأوسعوا الكلام في الأسماء وتوابعها ، وضروب الأفعال ، واللازم والمتعدي ، ورسوم خط الكلمات ، وجميع ما يتعلق به ; حتى إن بعضهم أعرب مشكله . وبعضهم أعربه كلمة كلمة .
[ ص: 430 ] واعتنى المفسرون بألفاظه ، فوجدوا منه لفظا يدل على معنى واحد ، ولفظا يدل على معنيين ، ولفظا يدل على أكثر ; فأجروا الأول : على حكمه ، وأوضحوا الخفي منه ، وخاضوا إلى ترجيح أحد محتمالات ذي المعنيين أو المعاني ، وأعمل كل منهم فكره ، وقال بما اقتضاه نظره .
واعتنى الأصوليون بما فيه من الأدلة العقلية ، والشواهد الأصلية والنظرية ; مثل قوله :
لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [ 21 \ 22 ] ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة ; فاستنبطوا منه أدلة على وحدانية الله ووجوده ، وبقائه وقدمه ، وقدرته وعلمه ، وتنزيهه عما لا يليق به ; وسموا هذا العلم بـ " ، أصول الدين " .
وتأملت طائفة معاني خطابه ; فرأت منها ما يقتضي العموم ، ومنها ما يقتضي الخصوص ، إلى غير ذلك ; فاستنبطوا منه أحكام اللغة من الحقيقة والمجاز ، وتكلموا في التخصيص والإضمار ، والنص والظاهر ، والمجمل والمحكم والمتشابه ، والأمر والنهي والنسخ ، إلى غير ذلك من أنواع الأقيسة ، واستصحاب الحال والاستقراء ; وسموا هذا الفن " أصول الفقه " .
وأحكمت طائفة صحيح النظر ، وصادق الفكر فيما فيه من الحلال والحرام ، وسائر الأحكام ، فأسسوا أصوله وفروعه ، وبسطوا القول في ذلك بسطا حسنا ; وسموه ب " علم الفروع " وب " ، الفقه أيضا " .
وتلمحت طائفة ما فيه من قصص القرون السابقة ، والأمم الخالية ، ونقلوا أخبارهم ، ودونوا آثارهم ووقائعهم . حتى ذكروا بدء الدنيا ، وأول الأشياء ; وسموا ذلك ب " التاريخ والقصص " .
وتنبه آخرون لما فيه من الحكم والأمثال ، والمواعظ التي تقلقل قلوب الرجال ، وتكاد تدكدك الجبال ; فاستنبطوا مما فيه من الوعد والوعيد ، والتحذير والتبشير ، وذكر الموت والمعاد ، والنشر والحشر ، والحساب والعقاب ، والجنة والنار ، فصولا من المواعظ ، وأصولا من الزواجر . فسموا بذلك " الخطباء والوعاظ " .
واستنبط قوم مما فيه من أصول التعبير ; مثل ما ورد في قصة يوسف : من البقرات السمان ، وفي منامي صاحبي السجن ، وفي رؤية الشمس والقمر والنجوم ساجدات ، وسموه " تعبير الرؤيا " ; واستنبطوا تفسير كل رؤيا من الكتاب ، فإن عز عليهم إخراجها
[ ص: 431 ] منه ، فمن السنة التي هي شارحة الكتاب ، فإن عسر فمن الحكم والأمثال . ثم نظروا إلى اصطلاح العوام في مخاطباتهم ، وعرف عاداتهم الذي أشار إليه القرآن بقوله :
وأمر بالعرف [ 7 \ 199 ] .
وأخذ قوم مما في آيات المواريث من ذكر السهام وأربابها ، وغير ذلك " علم الفرائض " ، واستنبطوا منها من ذكر النصف والثلث ، والربع والسدس والثمن " حساب الفرائض " ، ومسائل العول ; واستخرجوا منه أحكام الوصايا .
ونظر قوم إلى ما فيه الآيات الدالات على الحكم الباهرة في الليل والنهار ، والشمس والقمر ومنازله ، والنجوم والبروج ، وغير ذلك ; فاستخرجوا " علم المواقيت " .
ونظر الكتاب والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللفظ وبديع النظم ، وحسن السياق والمبادئ ، والمقاطيع والمخالص والتلوين في الخطاب ، والإطناب والإيجاز ، وغير ذلك ; فاستنبطوا منه " علم المعاني والبيان والبديع " .
ونظر فيه أرباب الإشارات وأصحاب الحقيقة ; فلاح لهم من ألفاظه معان ودقائق ، جعلوا لها أعلاما اصطلحوا عليها ، مثل الغناء والبقاء ، والحضور والخوف والهيبة ، والأنس والوحشة ، والقبض والبسط ، وما أشبه ذلك .
هذه الفنون التي أخذتها الملة الإسلامية منه .
وقد احتوى على علوم أخر من علوم الأوائل ، مثل : الطب ، والجدل ، والهيئة ، والهندسة والجبر ، والمقابلة والنجامة ، وغير ذلك .
أما
الطب : فمداره على حفظ نظام الصحة ، واستحكام القوة ; وذلك إنما يكون باعتدال المزاج تبعا للكيفيات المتضادة ، وقد جمع ذلك في آية واحدة وهي قوله :
وكان بين ذلك قواما [ 25 \ 67 ] .
وعرفنا فيه بما يعيد نظام الصحة بعد اختلاله ، وحدوث الشفاء للبدن بعد اعتلاله في قوله :
شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس [ 16 \ 69 ] .
ثم زاد على طب الأجساد بطب القلوب ، وشفاء الصدور .
وأما الهيئة : ففي تضاعيف سوره من الآيات التي ذكر فيها من ملكوت السماوات والأرض ، وما بث في العالم العلوي والسفلي من المخلوقات منه .
[ ص: 432 ]
وأما
الهندسة : ففي قوله :
انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب [ 77 \ 30 ، 31 ] ، فإن فيه قاعدة هندسية ، وهو أن الشكل المثلث لا ظل له .
وأما الجدل : فقد حوت آياته من البراهين والمقدمات والنتائج ، والقول بالموجب ، والمعارضة ، وغير ذلك شيئا كثيرا ، ومناظرة
إبراهيم أصل في ذلك عظيم .
وأما الجبر والمقابلة : فقد قيل : إن أوائل السور ذكر عدد وأعوام وأيام لتواريخ أمم سالفة ، وإن فيها تاريخ بقاء هذه الأمة ، وتاريخ مدة الدنيا ، وما مضى وما بقي ، مضروبا بعضها في بعض .
وأما النجامة : ففي قوله : أو أثارة من علم [ 46 \ 4 ] ، فقد فسره
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بذلك .
وفيه من أصول الصنائع ، وأسماء الآلات التي تدعو الضرورة إليها ، فمن الصنائع الخياطة في قوله :
وطفقا يخصفان . . . الآية [ 7 \ 22 ، 20 \ 121 ] ، والحدادة في قوله تعالى :
آتوني زبر الحديد [ 18 \ 96 ] ، وقوله :
وألنا له الحديد الآية [ 34 \ 10 ] ، والبناء في آيات ، والنجارة ،
أن اصنع الفلك [ 23 \ 27 ] ، والغزل :
نقضت غزلها [ 16 \ 92 ] ، والنسج :
كمثل العنكبوت اتخذت بيتا [ 29 \ 41 ] ، والفلاحة :
أفرأيتم ما تحرثون [ 56 \ 63 ] ، في آيات أخر ، والصيد في آيات ، والغوص : ،
والشياطين كل بناء وغواص [ 38 \ 37 ] ،
وتستخرجون حلية [ 16 \ 14 ] ، والصياغة
واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا . . . الآية [ 7 \ 148 ] ، والزجاجة :
صرح ممرد من قوارير [ 37 \ 44 ] ،
المصباح في زجاجة [ 24 \ 35 ] ، والفخارة
فأوقد لي ياهامان على الطين [ 28 \ 38 ] ، والملاحة
أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر [ 18 \ 79 ] ، والكتابة
علم بالقلم [ 96 \ 4 ] ، في آيات أخر ، والخبز والطحن : ،
أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه [ 12 \ 36 ] ، والطبخ ،
بعجل حنيذ [ 11 \ 69 ] ، والغسل والقصارة ،
وثيابك فطهر [ 74 \ 4 ] ،
قال الحواريون [ 3 \ 52 ] [ 5 \ 112 ] [ 61 \ 14 ] ، وهم القصارون ، والجزارة
إلا ما ذكيتم [ 5 \ 3 ] ، والبيع والشراء في آيات كثيرة ، والصبغ ،
صبغة الله . . . الآية [ 2 \ 138 ] ،
جدد بيض وحمر . . . الآية [ 35 \ 27 ] ، والحجارة ،
وتنحتون من الجبال بيوتا [ 26 \ 149 ] ، والكيالة
[ ص: 433 ] والوزن في آيات كثيرة ، والرمي :
وما رميت إذ رميت [ 8 \ 17 ] ،
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة [ 8 \ 60 ] .
وفيه من أسماء الألات ، وضروب المأكولات والمشروبات والمنكوحات ، وجميع ما وقع ويقع في الكائنات ما يحقق معنى قوله :
ما فرطنا في الكتاب من شيء [ 6 \ 38 ] ، انتهى كلام
المرسي ملخصا مع زيادات .
قلت : قد
اشتمل كتاب الله على كل شيء . أما أنواع العلوم فليس منها باب ولا مسألة هي أصل ، إلا وفي القرآن ما يدل عليها . وفيه علم عجائب المخلوقات ، وملكوت السماوات والأرض ، وما في الأفق الأعلى ، وما تحت الثرى ، وبدء الخلق ، وأسماء مشاهير الرسل والملائكة ، وعيون أخبار الأمم السالفة ; كقصة
آدم مع إبليس في إخراجه من الجنة ، وفي الولد الذي سماه
عبد الحارث ، ورفع
إدريس وإغراق
قوم نوح ، وقصة
عاد الأولى والثانية ،
وثمود ، والناقة ،
وقوم لوط ،
وقوم شعيب الأولين والآخرين فإنه أرسل مرتين ،
وقوم تبع ،
ويونس ،
وإلياس ،
وأصحاب الرس ، وقصة
موسى في ولادته وفي إلقائه في اليم ، وقتله القبطي ، ومسيره إلى مدين وتزوجه ابنة
شعيب ، وكلامه تعالى بجانب الطور ، وبعثه إلى
فرعون ، وخروجه وإغراق عدوه ، وقصة العجل ، والقوم الذين خرج بهم وأخذتهم الصعقة ، وقصة القتال وذبح البقرة ، وقصته في قتال
الجبارين ، وقصته مع الخضر والقوم الذين ساروا في سرب من الأرض إلى
الصين ، وقصة
طالوت وداود مع
جالوت وقتله ، وقصة
سليمان وخبره مع ملكة
سبإ وفتنته ، وقصة القوم الذين خرجوا فرارا من الطاعون فأماتهم الله ثم أحياهم ، وقصة
إبراهيم في مجادلته قومه ، ومناظرته
النمروذ ، ووضعه
إسماعيل مع أمه
بمكة ، وبنائه البيت ، وقصة الذبيح ، وقصة
يوسف وما أبسطها ، وقصة
مريم وولادتها
عيسى وإرساله ورفعه ، وقصة
زكريا وابنه
يحيى ،
وأيوب وذي الكفل ، وقصة
ذي القرنين ومسيره إلى مطلع الشمس ومغربها وبنائه السد ، وقصة
أصحاب الكهف والرقيم ، وقصة
بختنصر ، وقصة الرجلين اللذين لأحدهما الجنة ، وقصة أصحاب الجنة الذين أقسموا ليصرمنها مصبحين ، وقصة مؤمن
آل فرعون ، وقصة
أصحاب الفيل ، وقصة الجبار الذي أراد أن يصعد إلى السماء .
وفيه من شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعوة
إبراهيم به ، وبشارة
عيسى وبعثه وهجرته . ومن غزواته : غزوة
بدر في ( سورة الأنفال ) ،
وأحد في ( آل عمران )
، وبدر الصغرى فيها ،
والخندق في ( الأحزاب ) ،
والنضير في ( الحشر ) ،
والحديبية في ( الفتح ) ،
وتبوك في
[ ص: 434 ] ( براءة ) ، وحجة الوداع في ( المائدة ) ، ونكاحه
nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب بنت جحش ، وتحريم سريته ، وتظاهر أزواجه عليه ، وقصة الإفك ، وقصة الإسراء ، وانشقاق القمر ، وسحر
اليهود إياه .
وفيه بدء خلق الإنسان إلى موته ، وكيفية الموت ، وقبض الروح وما يفعل بها بعد صعودها إلى السماء ، وفتح الباب للمؤمنة وإلقاء الكافرة ، وعذاب القبر والسؤال فيه ، ومقر الأرواح ،
وأشراط الساعة الكبرى العشرة ، وهي :
نزول
عيسى ، وخروج الدجال ،
ويأجوج ومأجوج ، والدابة ، والدخان ، ورفع القرآن ، وطلوع الشمس من مغربها ، وإغلاق باب التوبة ، والخسف .
وأحوال البعث : من نفخة الصور ، والفزع ، والصعق ، والقيام ، والحشر والنشر ، وأهوال الموقف ، وشدة حر الشمس ، وظل العرش ، والصراط ، والميزان ، والحوض ، والحساب لقوم ، ونجاة آخرين منه ، وشهادة الأعضاء ، وإيتاء الكتب بالأيمان والشمائل وخلف الظهور ، والشفاعة ، والجنة وأبوابها ، وما فيها من الأشجار والثمار والأنهار ، والحلي والألوان ، والدرجات ، ورؤيته تعالى ، والنار وما فيها من الأودية ، وأنواع العقاب ، وألوان العذاب ، والزقوم والحميم ، إلى غير ذلك مما لو بسط جاء في مجلدات .
وفي القرآن جميع أسمائه تعالى الحسنى كما ورد في حديث . وفيه من أسمائه مطلقا ألف اسم ، وفيه من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - جملة .
وفيه شعب الإيمان البضع والسبعون .
وفيه شرائع الإسلام الثلاثمائة وخمس عشرة .
وفيه أنواع الكبائر وكثير من الصغائر .
وفيه تصديق كل حديث ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه جملة القول في ذلك . اه كلام
السيوطي في ( الإكليل ) .
وإنما أوردناه برمته مع طوله ; لما فيه من إيضاح : أن القرآن فيه بيان كل شيء . وإن كانت في الكلام المذكور أشياء جديرة بالانتقاد تركنا مناقشتها خوف الإطالة المملة ، مع كثرة الفائدة في الكلام المذكور في الجملة .
وفي قوله تعالى :
تبيانا لكل شيء [ 16 \ 89 ] ، وجهان من الإعراب :
أحدهما : أنه مفعول من أجله . والثاني : أنه مصدر منكر واقع حالا ; على حد قوله في الخلاصة
[ ص: 435 ] ومصدر منكر حالا يقع بكثرة كبغتة زيد طلع
تنبيه .
أظهر القولين : أن التبيان مصدر ، ولم يسمع كسر تاء التفعال مصدرا إلا في التبيان والتلقاء . وقال بعض أهل العلم : التبيان اسم لا مصدر . قال
أبو حيان في ( البحر ) : والظاهر أن " تبيانا " مصدر جاء على تفعال ، وإن كان باب المصادر يجيء على تفعال ( بالفتح ) كالترداد والتطواف . ونظير تبيان في كسر تائه : تلقاء ، وقد جوز
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج فتحه في غير القرآن . وقال
ابن عطية : " تبيانا " اسم وليس بمصدر ; وهو قول أكثر النحاة . وروى
ثعلب عن الكوفيين ،
nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد عن البصريين : أنه مصدر ، ولم يجئ على تفعال من المصادر إلا ضربان :
تبيان وتلقاء . اه والعلم عند الله تعالى .