[ ص: 467 ] مسائل بهذه الآية الكريمة .
المسألة الأولى : يؤخذ من هذه الآية
حكم مسألة الظفر ، وهي أنك إن ظلمك إنسان : بأن أخذ شيئا من مالك بغير الوجه الشرعي ولم يمكن لك إثباته ، وقدرت له على مثل ما ظلمك به على وجه تأمن معه الفضيحة والعقوبة ; فهل لك أن تأخذ قدر حقك أو لا ؟ .
أصح القولين ، وأجرأهما على ظواهر النصوص وعلى القياس : أن لك أن تأخذ قدر حقك من غير زيادة ; لقوله تعالى في هذه الآية :
فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به الآية [ 16 \ 126 ] ، وقوله :
فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم [ 2 \ 194 ] .
وممن قال بهذا القول :
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي ،
وسفيان ،
ومجاهد ، وغيرهم .
وقالت طائفة من العلماء منهم
مالك : لا يجوز ذلك ; وعليه درج
خليل بن إسحاق المالكي في مختصره بقوله في الوديعة : وليس له الأخذ منها لمن ظلمه بمثلها .
واحتج من قال بهذا القول بحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007372أد الأمانة إلى من ائتمنك . ولا تخن من خانك " ، اه . وهذا الحديث على فرض صحته لا ينهض الاستدلال به ; لأن من أخذ قدر حقه ولم يزد عليه لم يخن من خانه ، وإنما أنصف نفسه ممن ظلمه .
المسألة الثانية : أخذ بعض العلماء من هذه الآية الكريمة
المماثلة في القصاص ، فمن قتل بحديدة قتل بها ، ومن قتل بحجر قتل به ، ويؤيده رضه - صلى الله عليه وسلم - رأس يهودي بين حجرين ; قصاصا لجارية فعل بها مثل ذلك " .
وهذا قول أكثر أهل العلم خلافا
لأبي حنيفة ومن وافقه ، زاعما أن القتل بغير المحدد شبه عمد ، لا عمد صريح حتى يجب فيه القصاص . وسيأتي لهذا - إن شاء الله تعالى - زيادة إيضاح في ( سورة الإسراء ) .
المسألة الثالثة : أطلق - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة اسم العقوبة على الجناية الأولى : في قوله :
بمثل ما عوقبتم به [ 16 \ 126 ] ، والجناية الأولى ليست عقوبة ; لأن القرآن بلسان عربي مبين . ومن أساليب اللغة العربية
المشاكلة بين الألفاظ ; فيؤدي لفظ بغير معناه الموضوع له مشاكلة للفظ آخر مقترن به في الكلام ; كقول الشاعر :
قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه قلت اطبخوا لي جبة وقميصا
[ ص: 468 ] أي : خيطوا لي . وقال بعض العلماء : ومنه قول
جرير :
هذي الأرامل قد قضيت حاجتها فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
بناء على القول بأن الأرامل لا تطلق في اللغة إلا على الإناث .
ونظير الآية الكريمة في إطلاق إحدى العقوبتين على ابتداء الفعل مشاكلة للفظ الآخر قوله تعالى :
ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه الآية [ 22 \ 60 ] ، ونحوه أيضا .
قوله :
وجزاء سيئة سيئة مثلها [ 42 \ 40 ] ، مع أن
القصاص ليس بسيئة ، وقوله :
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه الآية [ 2 \ 194 ] ; لأن القصاص من المعتدي أيضا ليس باعتداء كما هو ظاهر ، وإنما أدي بغير لفظه للمشاكلة بين اللفظين .