تنبيه
يرد على هذه الآية الكريمة سؤالان :
الأول :
ما ثبت في الصحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما من " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007970أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه " فيقال : ما وجه تعذيبه ببكاء غيره ، إذ مؤاخذته ببكاء غيره قد يظن من لا يعلم أنها من أخذ الإنسان بذنب غيره ؟
السؤال الثاني : إيجاب دي الخطأ على العاقلة ، فيقال : ما وجه إلزام العاقلة الدية
[ ص: 65 ] بجناية إنسان آخر ؟
والجواب عن الأول : هو أن العلماء حملوه على أحد أمرين :
الأول : أن يكون الميت أوصى بالنوح عليه ، كما قال
طرفة بن العبد في معلقته :
إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يابنة معبد
لأنه إذا كان أوصى بأن يناح عليه : فتعذيبه بسبب إيصائه بالمنكر ، وذلك من فعله لا فعل غيره .
الثاني : أن يهمل نهيهم عن النوح عليه قبل موته مع أنه يعلم أنهم سينوحون عليه ; لأن إهماله نهيهم تفريط منه ، ومخالفة لقوله تعالى :
قوا أنفسكم وأهليكم نارا [ 66 \ 6 ] فتعذيبه إذا بسبب تفريطه ، وتركه ما أمر الله به من قوله :
قوا أنفسكم الآية ، وهذا ظاهر كما ترى .
وعن الثاني : بأن إيجاب الدية على العاقلة ليس من تحميلهم وزر القاتل ، ولكنها مواساة محضة أوجبها الله على عاقلة الجاني ; لأن الجاني لم يقصد سوءا ، ولا إثم عليه البتة فأوجب الله في جنايته خطأ الدية بخطاب الوضع ، وأوجب المواساة فيها على العاقلة ، ولا إشكال في إيجاب الله على بعض خلقه مواساة بعض خلقه ، كما أوجب أخذ الزكاة من مال الأغنياء وردها إلى الفقراء ، واعتقد من أوجب الدية على أهل ديوان القاتل خطأ
كأبي حنيفة وغيره أنها باعتبار النصرة فأوجبها على أهل الديوان ، ويؤيد هذا القول ما ذكره
القرطبي في تفسيره ، قال : " وأجمع أهل السير والعلم : أن
الدية كانت في الجاهلية تحملها العاقلة ، فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام ، وكانوا يتعاقلون بالنصرة ثم جاء الإسلام فجرى الأمر على ذلك . حتى جعل
عمر الديوان .
واتفق الفقهاء على رواية ذلك والقول به ، وأجمعوا أنه لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا زمن
أبي بكر ديوان ، وأن
عمر جعل الديوان ، وجمع بين الناس ، وجعل أهل كل ناحية يدا ، وجعل عليهم قتال من يليهم من العدو . انتهى كلام
القرطبي رحمه الله تعالى .