قوله تعالى :
ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا .
بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من قتل مظلوما فقد جعل الله لوليه سلطانا ، ونهاه عن الإسراف في القتل ، ووعده بأنه منصور .
والنهي عن
الإسراف في القتل هنا شامل ثلاث صور :
الأولى : أن يقتل اثنين أو أكثر بواحد ، كما كانت العرب تفعله في الجاهلية ، كقول
مهلهل بن ربيعة لما قتل
بجير بن الحارث بن عباد في حرب البسوس المشهورة : بؤ بشسع نعل
كليب ; فغضب
الحارث بن عباد ، وقال قصيدته المشهورة :
قربا مربط النعامة مني لقحت حرب وائل عن حيال قربا مربط النعامة مني
إن بيع الكرام بالشسع غالي
، إلخ
وقال
مهلهل أيضا :
كل قتيل في كليب غره حتى ينال القتل آل مره
ومعلوم أن قتل جماعة بواحد لم يشتركوا في قتله : إسراف في القتل داخل في النهي المذكور في الآية الكريمة .
[ ص: 88 ] الثانية أن يقتل بالقتيل واحدا فقط ولكنه غير القاتل ; لأن
قتل البريء بذنب غيره إسراف في القتل ، منهي عنه في الآية أيضا .
الثالثة : أن يقتل نفس القاتل ويمثل به ، فإن
زيادة المثلة إسراف في القتل أيضا .
وهذا هو التحقيق في معنى الآية الكريمة ، فما ذكره بعض أهل العلم ، ومال إليه
الرازي في تفسيره بعض الميل ، من أن معنى الآية : فلا يسرف الظالم الجاني في القتل ; تخويفا له من السلطان ، والنصر الذي جعله الله لولي المقتول ، لا يخفى ضعفه ، وأنه لا يلتئم مع قوله بعده :
إنه كان منصورا [ 17 \ 33 ] .
وهذا السلطان الذي جعله الله لولي المقتول لم يبينه هنا بيانا مفصلا ، ولكنه أشار في موضعين إلى أن هذا السلطان هو ما جعله الله من السلطة لولي المقتول على القاتل ، من تمكينه من قتله إن أحب ، ولا ينافي ذلك أنه إن شاء عفا على الدية أو مجانا .
الأول : قوله هنا :
فلا يسرف في القتل [ 17 \ 33 بعد ذكر السلطان المذكور ; لأن النهي عن الإسراف في القتل مقترنا بذكر السلطان المذكور يدل على أن السلطان المذكور هو ذلك القتل المنهي عن الإسراف فيه .
الموضع الثاني : قوله تعالى :
كتب عليكم القصاص في القتلى - إلى قوله -
ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب الآية [ 2 \ 178 - 179 ] ، فهو يدل على أن السلطان المذكور هو ما تضمنته آية القصاص هذه ، وخير ما يبين به القرآن القرآن .